هو الحب

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الإثنين 16 مارس 2015 - 10:20 ص بتوقيت القاهرة

لم تكن تعى ما يدور، كل شىء كان يوحى بأنه الحب ولكنها كعادتها أو ربما عادة النساء مثلها لم تستسلم لتلك الفكرة التى اعتبرتها شيطانية بل مضحكة.. راحت تردد كيف تحبين من لا يستطيع أن يطرب على أغنية «مادام تحب بتنكر ليه» أو «اطلب عينى.. قلبى وعينى فداك» أو حتى أن يفرح لأغانى عبدالحليم ويحزن لألم الحب وعذاباته فى أغانى تلك الرائعة أم كلثوم.. كانت تتحدث بألم شديد، شىء منها فرح بذكريات الحب الأولى وآخر شديد الألم لما آل إليه حال الحب فى أوطاننا الرومانسية والعاطفية رغم كل الحداثة المظهرية.. كيف انتكس الحب عندنا كما نكساتنا وخيباتنا الأخرى.. يبدو أن شبابنا لن يعرف الحب إلا عندما تعود للأوطان عزتها وكرامتها أو هو شىء من ذلك..

•••

عادت لتذكر كيف كان اللقاء الأول بصدفة بحتة، كما يقولون، وكيف أنها ظلت لبضعة أيام لا تعرف كيف تفسر تلك الشجرة الخضراء التى راحت تكبر بصدرها مع كل ابتسامة أو لفتة أو حتى ملامسة عابرة شديدة البراءة، بعضها من شدة ارتباكها، وربما ارتباكه هو أيضا!!

قاومت بشدة رغم المغريات.. هناك قبل زمن طويل يبدو كالدهر، كان الحب يتسلل بطيئا نقيا ونديا كالنسمة وكان الزمن طويلا طويلا عكس ما هو اليوم فلا صبر أبدا حتى تكبر تلك الشجرة لتصبح نخلة تطرح بلحا وخيرا، بل فقد الحب تدرجه فأصبح الاستعجال ولا وقت لنضيعه فى الانتظار لتنضج المشاعر على دفء اللحظة.. فانتهى الحب ليتحول إلى يوم يحتفل به عبر باقة ورد أو حتى دبدوب أحمر !!! ويردد الجميع «هابى فلانتاين» وتعود لتساؤل يبدو منطقيا رغم بساطته وماذا يكون فى ذلك اليوم أمام لغة تحمل للحب كلمات مثل الوله والعشق والتيم والشجن والحنين والشغف والصبابة والغرام والفتون والسهد واللهف والكلف والهيام ووووو.

هى كانت تعى تماما أن الحب حينها كان على تواصل تام مع الوطن الممتد، هكذا كان الوقت والزمن أو هكذا كانت نساء جيلها الحبلى بعشق الأرض، الملتصقات بها حتى آخر نفس ولم تسقط آخر حصون قلبها، قبل أن كاشفها عن حكاياته مع فلسطين القضية..فلسطين بوصلة القلب والروح..هنا تهاوت كل الجدران العازلة التى صنعتها هى أو ربما عادات وتقاليد بالية !!!.. سقط الجدار مرة واحدة وفتحت حدائق قلبها على مصرعيها تستقبل القادم الجديد !!!! وبداء حديث لم توقفه ساعات النهار والليل..طويل طويل هو عن كثير من القرب رغم بعد المسافات... هى ليست قصة حب معلنة بل شديدة الخصوصية تداعت أمامها وتلك الصبية ترمى بنفسها فى حضنها باكية قلبها المحروق على فراق الحبيب...وقفت حائرة بضع لحظات تتساءل بماذا تواسيها هل ببعض المها يوقف هذا الوجع ؟؟ أم ببعض قصص لصبية كانت لهن قصص طويلة فى حب لم يكتمل أو لم يسقط فى حضن المؤسسة شديدة البرودة والحيادية أحيانا!!!!

•••

توقفت عن سرد قصة حب تحمل الكثير من الخيال هل هو بعض من رتوش الإضافات عبر الزمن أم أنها الحقيقة التى كانت ورحلت سريعا.. عادت الذكريات بها إلى الوراء مع ألم فراق تلك الصبية التى جاء صوتها المبلول بالدمع عبر الهاتف.. راحت تردد هو الألم ذاته الذى كان فى زمن الرومانسية الأولى.. إذن لايزال البعض يتنفس تلك المشاعر المرهفة أم هى هذه الرقيقة الحساسة المحبة الصغيرة التى كبرت سريعا فكان لابد أن تلتسع بألم فراق الحبيب الأول.. لم تستطع هى الأخرى أن تحبس دمعها انهارت كل تلك السدود وتدفق حزن تعتق على مر السنين بداخل القلب المتعب. قالت لها دافعى عنه !! دافعى عن حبك فذاك حقك أيضا، لن تغفرى لنفسك إن لم تفعلى. رددت عليها ما كانت تتمنى أن يكون قد قاله لها أحدهم يوما ما رغم إدراكها أن لحظات الفراق الأولى جاءت أيضا من أجل الوطن والالتصاق به والبقاء على بعد خطوة من نبض القلب فلسطين..

•••

يردد البعض أحيانا كم كان ذاك الجيل هو الأسعد لأنه عرف تلك النخلة التى تكبر بالأحشاء فتنشر الخير فى أنحاء الجسد وأن بعضهم الذى يعرفه اليوم لا ينال إلا مزيدا من الألم والتعب.. إنه الحب حتما إنه الحب أينما ولى وجهه.. إنه الحب الذى يبقى حتى إن لم يتحقق، يبقى مخزنا فى ذاكرة القلب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved