عن التأشيرة المستعصية

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الإثنين 15 يونيو 2015 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

خبرنى عن تأشيرتك المستعصية تلك التى كلما فكرت فى زيارة صديق عربى قيل لك إن جنسيتك ممنوعة بتلك البلد أو غيرها.. كم من عرب يلتقون بعرب آخرين فى عواصم الكون قبل عواصمهم الناطقة بلغتهم الحاملة لملامح تشبههم جدا.. لاتزال تلك التأشيرة مستعصية جدا فيما أصبحت جماعات بكاملها لا تكترث بالحدود بل عملت على إسقاط تلك الحدود وعادت لترسم حدود دولتها القادمة.. دولة الخلافة المظلمة فى زمن لم يبق به إلا الكثير من الظلمات والقليل من النور.. لاتزال بعض حكوماتنا متمسكة بالسلطة على التأشيرة، فيما التسلل يأتيها من كل حدب وصوب!!!

المنع القادم على وطىء الجنسية لا مثيل له فى معظم بقاع العالم التى بها سلطات مستقلة وأجهزة للمحاسبة والرقابة، إلا نحن لانزال نتمسك بسياسة القبضة الحديدية على التأشيرات والحد من جنسيات عربية دون أخرى. كانت هذه السياسة فى الماضى بناء على العداوات بين الرؤساء والأمراء والشيوخ العرب، ولكن وبعد زوال الكثير منهم وسقوطهم أو تساقطهم، لاتزال التأشيرة هى الوجه الأكثر إذلالا للعرب وبين العرب حين سقطت العروبة ولم تستطع الصمود أمام الانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية والقبلية والتى كلها برزت لتثبت أنها أكثر قوة من كل الأصوات التى تعالت طويلا بشعارات العروبة والقومية الرنانة!!!

***

كل ذلك يستعصى على المواطن العربى المغمسة أيامه بالعرق والدم، فيما المسلحون الدواعش منهم والنصرة وغيرهم ينتقلون عبر الحدود دون تأشيرة أو عرقلة. فهم عابرون للحدود فيما يعتقد البعض من الجالسين هناك أن حدودهم مستعصية على هؤلاء.. وفيما يبقى ذاك الحامل لختم التأشيرة قابضا عليها بكل قوته متصورا أنه بذلك يمتلك الحسم والقوة والحماية بنفس ذلك الأسلوب الذى أثبت الزمن كم هو بال وعقيم، فالشر يتسلل من خرم السلك المانع أو من نفق هنا أو حتى تحت أنظار البعض المغمضة، ربما عمدا وربما ايمانا بتصدير الشر عبر الحدود أكثر من الإيمان بتصدير الأمل والخير وكأن الشر يحترم الحدود.. نفس تلك التى رسمها سايكس وبيكو قبل عقود، وعاد الآن من يعمل على محوها ورسم حدوده الجديدة!!

يضعون الأقفال على المداخل من موانئ ومطارات فيما الحدود مفتوحة جدا لدخول كل مدعى الخلافة المتشحين بالسواد بداخلهم ومظهرهم.. فكلهم قادرون على اختراق أكثر الحدود، خاصة وإن كانت العين على المواطن حامل القلم والصوت بالنقد بدلا من ذاك المدجج بأكثر الأسلحة حداثة، فيما تعبنا ونحن نستمع للأعداد الهائلة من المحللين العسكريين على محطات التلفزة والذين يمتلكون القدرة على شرح كل الأمور إلا أمر واحد كيف حصلت هذه الجماعات على كل هذه الأسلحة الحديثة وكيف انتشرت على عرض البلاد وطولها من شمال أفريقيا مرورا بالمشرق والخليج وكيف استطاعت أن تعبر الحدود وطائرات الاستطلاع قد سدت السماء بشمسها وقمرها ونجومهاّ!!

***

فكلما اجتمع عربيان فلا بد أن يكون حديث التأشيرات ثالثهما وكثيرا من الآهات والتنهيدات المتكررة.. فالوصل مقطوع بين العرب ولا مكان للقاء بين عربى وعربى إلا فى مقاهى باريس ولندن حيث الحديث ذو شجون وحيث الهموم تبدو أقرب لهم وهم يرتشفون قهوة الإكسبرسو على وقع ضوضاء الزوار العرب بمختلف انتماءاتهم ودرجات إيمانهم وشكلهم ولونهم ومظهرهم وملابسهم!!

فرغم سقوط العديد من الحدود أو بقائها على الخرائط المعتقة أو ربما تهالك تلك الحدود إلا أن القبضة على التأشيرة والتمسك بمنحها أو رفضها لاتزال كما كانت بل ربما ازدادت قوة وكأنها آخر مفاصل الدولة أو ما تبقى منها.

***

تحولت زيارة صديق أو صديقة فى بلد من بلداننا لأمر شبيه بالحلم البعيد وأصبحت أكثر الأمانى صعوبة هى الحصول على تأشيرة لبلد عربى، فيما الأوطان تتمزق والمدن تغتصب والأرض تهتز بمن تبقى عليها ولايزال الحلم الأزلى هو تأشيرة دخول لعاصمة عربية تلك التأشيرة التى أصبحت أكثر صعوبة من موزعى تأشيرات دخول الجنة عبر الأحزمة الناسفة والقنابل الذكية!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved