تداعيات الانتخابات العراقية على الميليشيات الشيعية فى العراق

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 15 مايو 2018 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة بروكنجز مقالا للكاتب «رائج علاء الدين» يتناول فيه الانتخابات النيابية العراقية الأخيرة وتداعياتها على الميليشيات الشيعية فى العراق والإشكالية المتعلقة بأنَّ المجموعات المسلحة تظهر دائما نتيجة فشل الدولة، وأنَّ وجود هذه المجموعات هو لعنة دائمة ضد انتعاش الدولة. حيث إن الميليشيات الشيعية هى ثمرة الأحقاد التاريخية، والاضطهاد الطويل المدى، والمظالم وإنكار الحقوق التى تساند الوعى الجماعى للشيعة فى العراق. هذه الميليشيات ليست مناهضة للدولة، بل هى تبحث عن نظام سياسى داخل حدود الأراضى العراقية الحالية.

يستهل الكاتب حديثة عن الانتخابات النيابية العراقية باعتبارها هى الأولى التى تشهدها البلاد منذ الهزيمة العسكرية التى مُنيت بها الدولة الإسلامية فى ديسمبر، وهناك آمال فى أن يفتح العراق صفحة جديدة، وأن يمضى قُدُما فى محاولاته لمعالجة التحديات التى تواجه أمنَه والفساد المستشرى والاستقطاب داخل المجتمع وضمن النخب السياسية العراقية.
هناك شعور بالحيرة وعدم اليقين يحيط بهذه الانتخابات التى يشارك فيها ما يقرب من 7000 مرشح يتنافسون على 329 مقعدا فقط، فى بلد يزداد فيه المشهد السياسى تفتتا وشرذمة يوما بعد يوم. لكن من النتائج شبه المؤكدة، السيطرة السياسية للميليشيات الشيعية العراقية، وهى القوة الأكثر هيمنة التى تقود قوات الحشد الشعبى، وتربطها علاقات وطيدة مع إيران. علما بأنَّه تمَّ حشد هذه الميليشيات المؤلفة من نحو مائة ألف مقاتل، غالبيتهم من الشيعة، لملء الفراغ الأمنى الذى أعقب احتلال الدولة الإسلامية للموصل وانهيار القوات المسلحة العراقية الذى تلاه.

منذ انطلاق الحرب ضد الدولة الإسلامية، حظى الكثير من المجموعات التى كانت موجودة سلفا والعديد من المقاتلين المتطوعين الذين تمَّ تشكيلهم حديثا ضمن قوات الحشد الشعبى، بأهميةٍ واسعة النطاق نتيجة الانتصارات التى حققوها فى ساحة المعركة. وقد زاد من أهميتهم، تراجعُ أسهم الجيش العراقى ومكانته، الذى يعود جزءٌ كبيرٌ منه إلى الانهيار المحرج الذى تعرَّض له فى العام 2014، حيث بات الكثير من العراقيين يعتبرون المؤسَسة العسكرية فاسدة، ذات تاريخ غارق فى القمع والوحشية.

لقد حاربت الميليشيات الشيعية فى العراق ــ وهُزِمت ــ فى وجه الجيش العراقى المدرَب والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالى تمَ تهميشها فى مراحل متعددة. علما بأنَها تعمل بأسلوب منظمات المافيا، التى تنخرط فى الأنشطة الإجرامية والابتزاز وانتهاكات حقوق الإنسان.

***

ويضيف الكاتب أن الصورة تصبح أكثر تعقيدا بسبب الطريقة اللافتة لتطور الميليشيات الشيعية فى العراق، ومدى محافظته هى وقوات الحشد الشعبى على استقلاليتهما، مع أنَها تُعتبر نظريا مكوِّنا عراقيا تابعا للحكومة. فقد سيطرت ميليشيا فيلق بدر على وزارة الداخلية العراقية وموظفيها البالغ عددهم 37 ألفا منذ العام 2003. وتحولت بعض الميليشيات السيئة السمعة، مثل عصائب أهل الحق إلى حركات اجتماعية ثقافية قوية، الأمر الذى عزَّز مؤهلاتها السياسية وغطى على سمعتها الملطخة بالدماء، من خلال التواطؤ مع الأحزاب والمؤسسات القائمة. وقد اندمجت هذه الجهات الفاعلة رسميا فى الدولة العراقية ودعمت موارد الدولة العراقية وسيادتها ــ مقابل الاعتراف الدولى – مع الاحتفاظ باستقلالها المالى والتشغيلى.
هناك مفهوم خاطئ مهم يتمثل فى أن المجموعات المسلحة تظهر دائما نتيجة فشل الدولة. أما المفهوم الخاطئ الثانى فهو ذاك الذى يقول إنَ وجود هذه المجموعات هو لعنة دائمة ضد انتعاش الدولة. فالميليشيات الشيعية هى ثمرة الأحقاد التاريخية، والاضطهاد الطويل المدى، والمظالم وإنكار الحقوق التى تساند الوعى الجماعى للشيعة فى العراق. هذه الميليشيات ليست مناهضة للدولة، بل هى تبحث عن نظام سياسى داخل حدود الأراضى العراقية الحالية، على الرغم من أنَّ هذا قد يتعارض مع تصوُرات خصومها والدول الغربية المؤيِّدة للعراق.

على أقل تقدير، تسعى هذه المجموعات المنحازة لإيران ــ والتى تمثل الميليشيات الأقوى والأكثر عددا فى العراق ــ إلى إعادة بناء العراق وفقا لشروطها هى (وبالشراكة مع إيران)، والتى تناقض الشروط والأحكام التى وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.

بشكلٍ عام، يمكن أن تُعزى البنية التحتية التى أفسحت المجال لصعود هذه الميليشيات بعد العام 2003، إلى تعبئة المجتمع الشيعى ضد نظام البعث السابق، خصوصا منذ فترة السبعينيات وما تلاها. فالميليشيات الشيعية متجذرة فى المجتمعات والبيئات التى تعمل فيها، نتيجة لتفاعلات وعلاقات تطوَرت على مدى حقبٍ زمنيةٍ طويلة.

ويستطرد الكاتب قائلا إنَ سيرورة الأحداث والبيئة التى تمكن المجموعات المسلحة من النجاح لا تستغرق وقتا طويلا للظهور، فما إن تتأسَّس حتى يصبح من الصعب إزالتها. حتى إن مجرد محاولة إزالتها قد يؤدى إلى انتشار المجموعات المسلحة، لا سيَّما عندما تكون هناك قوى خارجية متورطة فى الصراع، حيث تحفز المصالح الخاصة لهذه القوى قدرتها على الصمود (كما هو حال العلاقة بين الميليشيات الشيعية العراقية وإيران).

وتظهر الدراسات أيضا أن العنف غير الحكومى لا يمكن أن يُعزى دائما إلى فشل الدولة، لأن الاعتماد على منفِذى العنف غير الحكومى لطالما كان شكلا معروفا من أشكال التطور العسكرى فى الدول التى ظهرت فيها مؤسسات العنف اللامركزية كرَد فعل على تغيرات الأنظمة الإقليمية والدولية.

***

وختاما يذكر الكاتب أنه من الآن فصاعدا، يبدو أن قوات الحشد الشعبى تسعى لأن تطوى القوات المسلحة العراقية التقليدية تحت جناحها. هل هذا ما يريده العراقيون؟ إنها مسألة قابلة للنقاش، لكن هذا الأمر سيزيد من فرص انغماس العراق فى الصراعات خلال السنوات القادمة. فعلى الرغم من الاحترام الواسع الذى يتمتع به مقاتلو فصائل الحشد الشعبى، فإنه لا يخفى على أحد داخل المجتمع الشيعى، ولا على أكراد العراق والسنة العرب والأقليات، أن قيادة قوات الحشد الشعبى ومجموعاتها المسيطرة المنحازة لإيران، قد تعهَّدت صراحة بالولاء لآية الله خامنئى فى إيران، وللعقيدة التى تدعم نظام الحكم فى إيران.

وسوف يساعد المناخ الإقليمى ــ الذى يواجه فيه الشيعة العراقيون ما يعتبرونه تهديدات وجودية لمجتمعاتهم ــ فى صعود قوات الحشد الشعبى. لقد قاوم شيعة العراق، على مدى التاريخ، جهود إيران لتصدير نظامها الدينى إلى العراق، ومن المرجَّح أن يفعلوا ذلك فى المستقبل القريب، بغضِ النظر عن حجم الموارد التى توظفها إيران فى المدن العراقية التى تضمُ مقامات دينية.

ويواصل التيار الصدرى ــ الذى يقوده مقتدى الصدر، وهو أقوى الحركات السياسية فى العراق ــ البناء على إرث الصدر الأب، أى محمد صادق الصدر، رجل الدين العراقى القومى القوى، الذى كان يعتزُ بالهوية العربية لشيعة العراق. الأمر الذى سيضمن تحقيق شىءٍ من التوازن فى العراق، بحيث لا تتغير موازين القوة كثيرا لصالح المجموعات المنحازة لإيران، أو تلك التى تسعى إلى إخراج العراق من مدى نفوذ إيران، فى الوقت الحالى.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved