هل يغير فيروس كورونا من السياسة العالمية؟

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 14 مارس 2020 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على إبلاغ السلطات الصينية لمنظمة الصحة العالمية عن بؤرة فيروس كورونا الجديد فى إقليم ووهان، فإن الفيروس تحول إلى وباء شامل كما أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخرا. مع كتابة هذه السطور فإن عدد المصابين بالفيروس وصل إلى حوالى ١٢٠ ألف شخص من مختلف دول العالم، كما ارتفعت الوفيات لما يقرب من ٥٠٠٠ شخص. صحيح أنه يعتقد أن ٤٠٪ على الأقل من الإصابات قد شفيت بشكل كامل، وأن الوفيات مازالت محصورة بالأساس بين كبار السن ممن لديهم مشاكل كبيرة فى جهازهم المناعى، إلا أن الأوضاع مازالت غير مستقرة وخصوصا مع انتشار الفيروس بشكل سريع وكبير مع عدم توفر عقارات للقضاء عليه بالإضافة إلى أن المنشآت الطبية حتى فى أكبر دول العالم مثل الولايات المتحدة وإيطاليا تعانى بشدة من عدم القدرة على تقديم خدماتها الطبية لكل من يحتاج المساعدة!
يعتقد بعض الخبراء أن الأعداد ربما ترتفع فعليا عن الأرقام المعلنة، إما لأن بعض المواطنين لم يبلغ عن حالته، أو لأنهم أبلغوا ولم يتلقوا العناية المطلوبة أو لأن التشخيص فى بعض الحالات كان خاطئا وخصوصا فى ظل اختلاف المقاييس بين اكتشاف المرض عن طريق الاختبارات المعملية والتشخيص الطبى فى العيادات، حيث يعتقد أن الطريقة الأولى هى الأكثر دقة.
رغم أن انتشار الأوبئة بهذا الشكل ليس جديدا، إلا أن هذه المرة تبدو أكثر شراسة مما اضطر الكثير من الدول إلى اتخاذ إجراءات غير تقليدية وربما غير مسبوقة فى تاريخها الحديث مثل إعلان إيطاليا عزل البلد بالكامل ووضع ما يقرب من ٦٠ مليون مواطن تحت الحجر الصحى، وإعلان الولايات المتحدة إيقاف كل رحلات الطيران من أوروبا إليها لمدة ٣٠ يوما كإجراء أولى وإعلان حالة الطوارئ، بالإضافة إلى إجراءات استثنائية أخرى فى العديد من دول العالم تمثلت فى تعطيل المدارس والجامعات وإغلاق الشركات والمصانع وبعض المؤسسات الخدمية، ليصبح العالم فى وضع يشبه حالة الطوارئ الدائمة التى تعلن وقت الحروب!
وفقا للمعطيات أعلاه، فلا يبدو أن العالم (تحديدا نخبه السياسية والاقتصادية) قد تعلموا كثيرا من دروس مرض «سارس» وغيره من الأوبئة العالمية التى ضربت البشرية على مدار المائة عام الماضية.
يكمن السؤال الآن، هل يمكن أن يغير وباء كورونا من السياسة العالمية؟ هل يمكن أن تتغير السياسات الاقتصادية وتلك المتعلقة باتخاذ القرارات السياسية فى دول العالم؟ هل يمكن أن تغير النخب السياسية والاقتصادية من سلوكها وانحيازها؟ هل يمكن أن تؤدى هذه الكارثة العالمية إلى تغير الطريقة التى ترى بها الجماهير والشعوب حاكميها؟
***
أظهرت الأزمة الحالية عن الضحالة الفكرية ومحدودية الثقافة بل والكفاءة والقدرة على اتخاذ القرار عند بعض الحكام والنخب السياسية والإعلامية. فرئيس الدولة الأكبر فى العالم، ظل يهون من خطورة الوباء ويصفه بأنه ليس أكثر من فيروس عادى وحينما اشتدت ضغوط الرأى العام عليه، بدأ يوجه اتهامات لمنافسيه من الحزب الديمقراطى بأنهم يتآمرون بتضخيم الأحداث للتشكيك فى مصداقيته، قبل أن يضطر فى أقل من أسبوع أن يتراجع عن كل هذا ويعترف بخطورة الوباء ويتخذ إجراءات غير مسبوقة بإعلان حالة الطوارئ فى كل البلاد وإغلاق الحدود أمام أوروبا! أظهرت الأزمة أن حديث المؤامرة غير قاصر على الشعوب ولا حتى قاصر على منطقتنا العربية، فبعض المسئولين الصينيين يوجهون اتهاما إلى الجيش الأمريكى بنشر الوباء، وأمريكيون يردون باتهام الصينيين بشن حرب ببيولوجية انقلبت عليها! وهكذا أحاديث من كبار القادة والسياسيين والإعلاميين بلا دليل ولا هدف سوى نشر الفكر التآمرى ودفع الاتهامات عنهم وتوجيهها إلى آخرين، رغم أن أى تفكير منطقى وتدبر للأحداث والإجراءات الدولية سيرى ببساطة أن الضرر طال الجميع ولا يمكن للدول أن تتآمر على نفسها لأن الاقتصاديات العالمية مربوطة ببعضها البعض وحركة الشعوب فى ظل عصر العولمة لا تعرف الحدود!
كذلك فإن الأزمة أظهرت هشاشة طريقة إدارة الأزمة فى العديد من دول العالم، ففى الولايات المتحدة واليابان وإيطاليا كان هناك تأخر فى رد الفعل، وسوء تنسيق واضح بين أجهزة الدولة وعدم جاهزية المنظومة الصحية لمواجهة حالة طوارئ شاملة وتناقض واضح فى التعليمات والقرارات بين المسئولين وشح كبير فى المعلومات أو الحصول عليها بشكل متأخر وكل هذا يحدث فى دول شديدة التقدم والمعرفة وهو ما يؤشر على مشاكل كبيرة فى كفاءة عملية صنع واتخاذ القرار التى ضربت النظام العالمى مؤخرا.
عرت الأزمة أيضا بوضوح الأنظمة الصحية العالمية والتى جعلت الرعاية الصحية الفائقة فى العديد من الدول الرأسمالية قاصرة فقط على الأغنياء والقطاع الخاص، فمنظومة الصحة العامة إما ضعيفة ومحدودة الكفاءة أو غير موجودة على الإطلاق ومستبدلة باحتكار الشركات الخاصة التى لا تقدم رعايتها سوى للقادرين. أظهرت تلك الأزمة بوضوح أن الرعاية الصحية للفقراء لا تقل أهمية عن الرعاية الصحية للأغنياء، الصحة العامة يجب أن تكون فى النهاية هدفا لكل الأنظمة السياسية ومحورا لعمل المنظمات الدولية خلال الفترة القادمة.
***
بالإضافة إلى كل ذلك فإن أهم درس من دروس وباء كورونا حتى اللحظة هو أنه لا غنى عن الدولة، لا غنى عن النظم السياسية المستقلة عن سلطة وسطوة رأس المال المتطرف الذى يحاول أن يحول الساسة إلى مجموعة من الموظفين المنتخبين لتنفيذ مصالح النخب المهيمنة اقتصاديا، الدولة والسياسى الذى يسعى إلى المصلحة العامة مازال هو عصب الحياة السياسية والعامة، فى كل المناطق التى انتشر فيها الوباء كانت الدولة وأجهزتها هى الفاعل الأهم والأكبر والمحورى فى مواجهة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والصحية للوباء، وهو ما يعنى أن كل النظريات التى تطالب الدولة بالانسحاب من إدارة الأنشطة الصحية والاقتصادية وغيرها والتحول إلى مجرد شرطى يطبق القوانين هى نظريات غير واقعية ولا تستطيع أبدا الصمود أمام كارثة بهذا الحجم. دور الدولة السياسى والاقتصادى والاجتماعى والصحى مطلوب، حماية الفقراء والارتقاء بمستوى الصحة العامة، والتشغيل والتوظيف تظل واحدة من مسئوليات الدولة حتى لو تم ذلك بمساعدة القطاع الخاص.
أظهر وباء كورونا أخيرا أنه ورغم أى عيوب تعترى النظام الدولى القائم على التعاون بين الدول وبين المنظمات الدولية والإقليمية، إلا أنه لا يمكن أبدا الاستغناء عن نظام الحوكمة الدولى الذى تقوده الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، فهذا التنظيم الدولى الذى ازدادت أهميته بعد الحرب العالمية الثانية ورغم ما به من عيوب، لكنه يظل هو عامل الأمان الدولى الأول للتعامل مع القضايا العابرة للحدود مثل القضايا البيئية والصحية والجرائم الدولية وغيرها، هذا نظام دولى لابد من إصلاح منظومته العطباء، لكن لا يمكن أبدا الاستغناء عنه أو تجاهل دوره فى سلامة البشر المعاصرة.
يحتاج العالم إلى وقفة طويلة لإصلاح سياساته الاقتصادية والسياسية بعد زوال خطر الوباء وهو أمر لم يعد من الممكن تجاهله، فلعل فيروس كورونا يكون بمثابة فرصة لترتيب دولى جديد يدشن مرحلة جديدة للعلاقات الدولية كما كانت الحربين العالميتين الأولى والثانية مدشنتين للنظام الدولى فى القرن العشرين.

أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved