البحث عن استراتيجية ترامب فى سوريا

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 13 أبريل 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

منذ قيام الولايات المتحدة بهجمات صاروخية على مطار الشعيرات السورى بـ59 صاروخا من طراز توما هوك ردا على هجمات بأسلحة كيمائية على منطقة خان شيخون قامت بها طائرات النظام السورى انطلاقا من هذا المطار، اجتهد الخبراء والمحللون فى محاولة للبحث عما يمكن أن نطلق عليه «استراتيجية ترامب فى سوريا». ومن الصعب الرد على هذا التساؤل المشروع لأسباب عدة على رأسها أننا أمام قضية تتشابك أبعادها المحلية والإقليمية والدولية بصورة معقدة نادرة، ونحن أيضا أمام رئيس أمريكى غير تقليدى لا يعترف بالحسابات التقليدية لمنظومة العلاقات الدولية. ربما يكون لترامب استراتيجية فى سوريا، لكن أغلب الأمر أن ترامب لا يملك تصورا واضحا حول الأزمة أو أبعادها أو تداعياتها أو طرق إنهائها.
***
لكن الأهم من البحث عن استراتيجية ترامب هو محاولة فهم الإطار الذى يتحرك فيه ترامب ويؤثر على قراراته السابقة وخطواته المقبلة بخصوص الأزمة السورية والتى يمكن تلخيص بعضها على النحو التالى:
أولا: ليس لواشنطن أهداف استراتيجية مباشرة تهمها فى سوريا، ومن هنا يمكن تفهم عدم تحرك إدارة الرئيس الأسبق أوباما بجدية فى سوريا حتى مع تخطى نظام الأسد الخطوط الحمراء واستخدم أسلحة كيميائية فى 2013. دواعى قلق واشنطن فى سوريا تتعلق بتوسع نفوذ إيران فيها ولعبها دورا مهما فى الحفاظ على نظام الأسد، ويمثل كذلك عودة النفوذ الروسى لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط قلقا كبيرا فى دوائر الدفاع والمخابرات الأمريكية.
ثانيا: التخبط فيما أعلنه ترامب شخصيا من أن أول أهدافه فى سوريا يتمثل فى القضاء على تنظيم الدولة المعروف باسم داعش، ثم خروج كبار أركان إدارته للتأكيد على أن مستقبل نظام بشار الأسد يتوقف على الشعب السورى. إلا أنه وبعد هجوم خان شيخون وهجمات واشنطن الصاروخية، تغيرت نبرة الإدارة الأمريكية للمطالبة برحيل الأسد والتأكيد على أن مستقبل سوريا يجب أن يخلو من نظام الأسد وعلى روسيا التخلى عن حليفها المجرم.
ثالثا: عكست الهجمات الأمريكية المحدودة تغيرا كبيرا فى درجة الثقة والمصداقية بالإدارة الجديدة داخليا وإقليميا ودوليا بصورة غير متوقعة. داخليا فى تحرك غير مألوف فى واشنطن خرجت قيادات الحزبين الديمقراطى والجمهورى لتثنى على خطوة الرئيس ترامب. وتوقف الكثير ممن ينتقدون ترامب بلا توقف عن انتقاداتهم، واصطفوا خلف الرئيس. وأظهر استطلاع رأى أجرته شبكة سى بى إس CBS New الأمريكية بين السابع والتاسع من هذا الشهر أن 57% من الأمريكيين يؤيدون الضربة الجوية ضد الأسد، وأن 45% يرون أن استخدام الأسد للسلاح الكيماوى يمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة. كذلك عبر 43% عن رضائهم عن أداء الرئيس ترامب، ومثل ذلك ارتفاعا مقداره 8% من نسبة ما قبل الضربات. وعلى الجانب الإقليمى عبر كل حلفاء واشنطن ممن يهمهم الشأن السورى عن امتنانهم للضربة الأمريكية ودعمت إسرائيل والسعودية وتركيا ودول الخليج الهجمات وطالبت بالمزيد. وأعادت الضربات الدفء لعلاقات واشنطن مع حلفائها الأوربيين الذين ساورهم الشكوك حول مصداقية إدارة ترامب قبل ذلك.
لكن واشنطن ليست اللاعب الأهم حتى الآن فى الأزمة السورية. من هنا تضغط إدارة ترامب بقوة على موسكو بطرق تقليدية وطرق غير تقليدية لإثنائها عن دعم نظام الأسد. وتستخدم واشنطن سياسة العصا والجزرة، مرة بالتلميح بالتنازل عن العقوبات المفروضة عليها بعدما ضمت شبه جزيرة القرم الأوكرانية لأراضيها، ومرة بالتلميح لفرض المزيد من العقوبات على شخصيات روسية عسكرية رفيعة. وتخشى واشنطن وموسكو وقوع حدث عارض بين قوات الدولتين داخل سوريا وهو ما من شأنه أن ينذر بعواقب وخيمة عليهما ويحتمل معه اتساع نطاق الحرب الأهلية السورية. وفى الوقت الذى سرب فيه مسئول أمريكى لوكالة أسوشيتد برس ما مفاده أن واشنطن تعتقد أن روسيا علمت بهجمات النظام السورى الكيميائية قبل وقوعها، وربما تكون نسقت مع الأسد فى محاولة لاختبار الإدارة الأمريكية الجديدة، تكثف واشنطن من جهودها الدبلوماسية لقناع موسكو بالتخلص من الأسد.
***
إلا أن أهم ما يتعلق بإدارة ترامب ووجود استراتيجية من عدمه حول سوريا يتعلق بنقطتين أخيرتين:
الأولى: أن هناك ثلاثة تحقيقات جادة حول الدور الروسى فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة والتى لا تستبعد معها وجود علاقات مشبوهة لبعض معاونى الرئيس ترامب بروسيا وأجهزتها الاستخباراتية. يقوم بهذه التحقيقات مجلس الشيوخ ومجلس النواب ومكتب التحقيقات الفيدرالى، ولا يعرف أحد بعد مصير هذه التحقيقات والتى لا يستبعد معها احتمال وصول هذه التحقيقات لشخص الرئيس ترامب.
الثانية: معضلة بدائل نظام الأسد تمثل صداعا لكل خبراء الشأن السورى فى واشنطن. فيعد تجربة العراق الأليمة عقب الإطاحة بنظام صدام حسين، والتجربة الأحدث عقب الإطاحة بنظام معمر القذافى فى ليبيا، تتوجس دوائر واشنطن من بدائل النظام السورى. فلا واشنطن ولا حلفائها استطاعوا الاستثمار فى بدائل معارضة فعالة يمكن التعويل عليها فى سوريا المستقبل، ولا هى تستطيع إن أرادت ذلك.
غياب بدائل مقبولة وعملية للنظام السورى يعقد من الدعوة الأمريكية لضرورة التخلص من النظام السورى، ويترك المهمة سهلة للجانب الروسى (الراعى الرسمى والأهم لنظام بشار الأسد) فى الدفاع عنه وعن التخويف من إسقاطه فى ظل وجود أعداد لا يمكن حصرها من فصائل المعارضة المتنوعة والمتعارضة والمسلحة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved