العواقب البعيدة لاتفاقية الجزيرتين

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 12 يونيو 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

أكتب هذه الكلمات والمناقشات لا تزال جارية تحت قبة البرلمان بشأن اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية، والشواهد ترجح اتجاه البرلمان لإقرارها وبالتالى تنازل مصر عن جزيرتى «تيران» و«صنافير». وإن حدث ذلك، فإننا نكون قد دخلنا مرحلة جديدة ومختلفة عن كل ما سبق، وسوف تكون عواقبها وخيمة، ولو بعد حين. 
منذ الإعلان عن توقيع الاتفاقية فى العام الماضى، فضلت ألا أتطرق إلى جوانبها التاريخية والقانونية، من منطلق أن كثيرين غيرى قد تناولوها بتفصيل شديد وبعد دراسة مستفيضة للمستندات والأدلة، ولذلك اقتصرت تعليقاتى على جانبها السياسى، وعلى الأسلوب الذى تعاملت به الحكومة مع هذه القضية بالغة الخطورة، وما انطوى عليه هذا الأسلوب من مباغتة فى الإعلان عن قرار يمس السيادة الوطنية، واستخفاف بالرأى العام، وتجاهل لأحكام القضاء، وتنكيل بمن أبدوا اعتراضًا على اتفاقية أبرمت فى ظروف وملابسات غامضة.  
لذلك كنت ولا زلت مقتنعًا بضرورة رفض الاتفاقية ليس فقط لما تمثله من تنازل عن السيادة بالمخالفة الصريحة للدستور، وإنما أيضا لما عبرت عنه من حالة صارخة فى الانفراد بالقرار وعدم الإفصاح عن المعلومات وتجاهل وجود مجتمع يحق له الفهم والمشاركة والاعتراض. وفى تقديرى أن هذا الأسلوب فى إدارة الملف هو ما سوف يجعل للاتفاقية ــ إذا أقرها البرلمان ــ عواقب وخيمة وطويلة المدى حتى وإن نجحت عملية تمريرها هذا الأسبوع. 
أول هذه النتائج اهتزاز ثقة الناس فى الحكومة على نحو لم تتعرض له من قبل، برغم كل ما واجهته من مشكلات وصعوبات وما انتهجته من سياسات خلافية حتى الآن. فنحن هنا لسنا أمام خلاف حول سعر الوقود أو تعويم الجنيه أو قانون ينظم الجمعيات الأهلية، مما يمكن تمريره اعتمادًا على خوف الناس من عدم الاستقرار أو انشغالهم بمسلسلات رمضان وإعلاناته. نحن أمام قرار مصيرى سوف يظل حاضرًا لسنوات مقبلة فى أذهان  الناس. ومهما ساق أنصار الاتفاقية من حجج وأسانيد، واستعانوا بخبراء فى القانون والتاريخ والجيولوجيا لدعم موقفهم، وحشدوا أصواتًا فى البرلمان والإعلام، فإن الاعتقاد بأن الحكومة تقاعست عن القيام بواجبها فى حماية السيادة الوطنية، لن يختفى بل سوف يتصاعد مع الوقت ويهدد مصداقيتها. 
والنتيجة الثانية التى لا تبدو الحكومة مكترثة بها هى حجم الانقسام العميق الذى دفعت إليه هذه الاتفاقية داخل المجتمع المصرى، وهو انقسام فى الأرجح سوف يزيد ويحتدم كلما اقتربت لحظة تسليم الجزيرتين. وبينما ظلت الأصوات العاقلة تطالب الدولة طوال الفترة الماضية بالعمل على تهدئة الاحتقان فى الشارع، وتقريب وجهات النظر فى مختلف القضايا الخلافية، وضم الصفوف من أجل مواجهة مخاطر الإرهاب ومصاعب الوضع الاقتصادى، إذا بالحكومة تفتح جبهة جديدة لنفسها، كما تفتح بابًا جديدًا للانقسام الداخلى، على نحو لا تقدم عليه حكومة رشيدة. 
أما النتيجة الثالثة التى أتوقعها فتخص الحكومة والبرلمان، لأنه حتى لو مرت عملية التصديق على الاتفاقية مرور الكرام، فلا أظن أن الحكومة سوف تقدر على الاستمرار فى موقعها لفترة طويلة وهى تحمل هذا العبء، أو أن البرلمان سوف يتجاوز هذه النقطة السوداء فى تاريخه، وإن كانت هذه ليست أسواء العواقب.
وأخيرا فإن كان التبرير الرسمى لاتفاقية ترسيم الحدود هو الحفاظ على العلاقات الطيبة بين مصر والسعودية، فإننى أخشى أن تكون نتيجة هذا الاضطراب الشديد فى إدارة ملف الجزيرتين سببًا لفساد العلاقة بين الجانبين مستقبلًا. وليكن واضحًا أننى أتحدث هنا عن العلاقات بين الشعبين المصرى والسعودى وليس بين الحكام على الجانبين. هذه علاقة وطيدة ومهمة وتحكمها علاقات أسرية ومصالح تجارية وروابط إنسانية لا يجوز الاستهانة بها. وفى تقديرى أن أسلوب إدارة الدولة لهذا الملف سوف تفتح جرحًا فى جنب العلاقة بين الشعبين لم نكن بحاجة إليه. 
إن كانت الفرصة لا تزال متاحة، فعلى البرلمان أن يرفض مناقشة الاتفاقية ويردها للحكومة ويطوى صفحة بالغة السوء فى الإدارة الحكومية وغياب الحكمة فى اتخاذ القرار، لعله بذلك يمنحها فرصة لإعادة النظر وتصحيح المسار قبل فوات الأوان.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved