ثقافة الاستبداد

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 12 فبراير 2018 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

قد يكون د. عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية تجاوز ما يسميه المحسوبون على النظام كل الخطوط الحمراء فى انتقاداته اللاذعة للرئيس عبدالفتاح السيسى ولكل السياسات التى ينفذها، خلال الحوار الذى أجرته معه منذ ثلاثة أيام قناة الجزيرة القطرية، للدرجة التى دفعت بأحد المحامين لتقديم بلاغ ضده للنائب العام مطالبا بإحالته لمحكمة الجنايات بعدة تهم خطيرة منها الإساءة للقضاء والتشكيك فى أحكامه، والتطاول على رئيس الدولة، بالإضافة إلى استقوائه بالخارج واستدعائه للتدخل فى الشأن المصرى، وهى التهمة التى قد تؤدى به لحبل المشنقة.

صحيح أن أبو الفتوح استخدم عبارات حادة فى نقده للرئيس، خاصة فيما يتعلق بمناخ الحريات الذى يضيق بأى صوت معارض، وبانتخابات الرئاسة التى تجرى وكأنها استفتاء نتائجه معروفة سلفا، وبالسياسات الاقتصادية التى أفقرت غالبية المصريين، لكنه لم يتجاوز حقه الذى كفله الدستور فى التعبير عن رأيه، ولم يوجه أى إساءة شخصية للرئيس، وحتى الذين هاجموه لتعامله مع «الجزيرة» لم يسألوا أنفسهم أولا: هل تجرؤ أى فضائية مصرية على مجرد التفكير فى استضافته وإجراء حوار معه يعبر فيه عن آرائه بصراحة؟!

قد نتفق أو نختلف مع بعض أو مع كل ما قاله أبو الفتوح، لكن الذى يجب أن نتفق عليه هو أن الحجر على أى صوت معارض هو انقلاب كامل متكامل على الدستور وعلى الشرعية، وهو الذى يستدعى تقديم المطالبين بهذا الحجر إلى المحاكمة بتهمة الانقلاب على نظام الحكم وهدم الدولة بل وبالخيانة العظمى أيضا، فالدستور هو الذى يحدد ويؤسس شرعية النظام الحاكم، وهو الذى يحدد شكل الدولة ويحفظ شرعيتها.

والأكثر من ذلك، أن روح ونصوص الدستور تضمن للمعارضين إبداء آرائهم بكل حرية، بل تعطى لهم كل الحق فى السعى نحو تبادل السلطة، ونقد الحكام والحق فى تغييرهم بالطرق السلمية، وهو ما يعنى أن من ينتقد الرئيس السيسى إنما يمارس حقه الدستورى باعتباره مواطنا صالحا، لا ينبغى أن تطارده اتهامات العمالة أو الأخونة أو الاستقواء بالخارج، ولا أن يخضع لملاحقات أمنية أو قضائية.

منذ أكثر من 60 عاما ونحن نعتبر الدستور مجرد ديكور سياسى، نستوفى به الشكل الاحتفالى بالدولة العصرية، لكننا نضع نصوصه على الرف، ونخنق روحه بممارسات قمعية، ولا نحترم القيود التى يضعها على صلاحيات الرئيس والسلطة التنفيذية، حتى وصلنا فى نهاية الأمر إلى دولة مشوهة وظيفيا وديمقراطيا، تاهت المعالم الفاصلة بينها وبين نظام الحكم.

الثقافة الأبوية لم تعد تصلح إلا لحكم جمهوريات الموز، ولم تعد تجدى إلا فى مجتمعات العبيد التى يحكمها المستبدون، ومع ذلك فلهذه الثقافة حضورها القوى فى ثنايا مجتمعنا، أى محاولة لهدمها تثير فزع الكثير من المصريين أكثر مما تثير فزع السلطة نفسها للعديد من الأسباب ربما يأتى على رأسها يد الأمن الخشنة التى تتجاوز روح القانون فى التعامل مع المواطنين.

ما يقوله أبو الفتوح أو حمدين صباحى أو خالد على أو حازم حسنى وغيرهم من رجال المعارضة هو موجة جديدة سبقتها موجات عديدة طوال السنوات الستين الماضية لهدم هذه الثقافة، ينبغى أن نحتفى بها ونقف معها من أجل تأسيس عقلية سياسية جديدة تحكم مصر بحرية وعدالة، لا أن نجعلهم فرائس تنهش لحومهم طيور الظلام وأنصار القهر والاستبداد!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved