أسوان وثروات مصر المهدرة

علاء الحديدي
علاء الحديدي

آخر تحديث: الإثنين 12 فبراير 2018 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

زرت مدينة أسوان كطالب منذ نحو أربعة عقود، وكنت منذ ذلك الوقت أتطلع لزيارتها لما ترك أهلها لدى من انطباع إيجابى بسبب أدبهم الجم ومعاملتهم لى كطالب يقوم باستكشاف مصر بمفرده. ولن أنسى ذلك المراكبى الذى لم يأخذ أجرته منى نظير توصيلى لمعبدجزيرة فيلة، تلك الذكريات عن أسوان عززها ما كنت أسمعه عن حرص عدد من الرؤساء الأجانب على قضاء عطلاتهم بها، فضلا عما قرأته عنها وكيف كانت أسوان قبل ثورة ١٩٥٢ مشتى علية القوم وصفوة المجتمع مثلما كانت الإسكندرية مصيف لهم، ولذلك كنت حريصا على زيارة المدينة وقضاء عدة أيام بها فى أول فرصة تتاح لى.

جاءت الفرصة أخيرا الأسبوع الماضى وتحققت الأمنية، وما رأيته وشاهدته فاق كل توقعاتى. كان منظر النيل وحده من شرفة فندق «كتراكت» التاريخى من الروعة والجمال ما فسر لى سبب حرص رئيس كميتران على المجىء إلى أسوان وهو الذى كان متاحا له زيارة بقاع أخرى كثيرة فى العالم، هذا المنظر وحده، ولست أديبا لأبرع فى وصفه، يساوى الملايين إذا جاز التعبير ويكفى لجذب الآلاف من السائحين الأجانب الذين ينشدون جمال المناظر الطبيعية وروعتها، ولذلك لم يكن غريبا أن يكون فى الفندق فى الفترة التى كنت بها فوج يابانى كبير، ومن المعروف أن السائح اليابانى ينتظر مستوى رفيعا من الخدمة وأدبا جما فى التعامل ودقة فيما يقدم له من معلومات، وهى متوافرة كلها فى الفندق والحمد لله، وإذا أضفنا إلى ما سبق منظر النيل بمراكبه الشراعية وأحجار الجرانيت على شواطئه، فلنا أن نطمئن للانطباع الإيجابى الذى سيتولد لدى هذا السائح اليابانى أو الأوروبى أو غيره، وهو ما أشعرنى حقيقة بالزهو والفخر.

ولكن التجربة فى أسوان لا تقتصر على البقاء فى الفندق، مهما كان روعته، ومثل أى زائر أو سائح تساءلت عن المعالم الرئيسية بجانب معبد جزيرة فيلة، وقيل لى «القرية النوبية»، ويمكن الذهاب إليها عن طريق النيل، وهى رحلة ممتعة بلا شك، خاصة إذا كان الجو معتدلا، وعليه، قررت مع زوجتى أخذ المركب وقضاء يوم كامل هناك، وكلى آمال وأحلام فى الوقت الذى سنمضيه هناك وما يمكن شراؤه من تذكارات، وفعلا وصلنا بعد رحلة ممتعة فى النيل، وإذا بالمكان مثله مثل العديد من الأسواق الشعبية المنتشرة فى جميع أرجاء مصر، إلا بعض الفنادق التى طليت بألوان ونقوش أهل النوبة لإعطاء المكان المسحة النوبية المطلوبة، ولكنها بالتأكيد لا تعكس أصالة النوبة وروحها، هذا فضلا عن الروائح الكريهة المنبعثة من فضلات الحيوانات، وتواضع المعروض من المنتجات. تخيلت عندئذ ما سيكون عليه شعور أو إنطباع السائح اليابانى أو أى سائح آخر إذا ما أتى إلى هذا المكان، وتمنيت ألا يفعل ذلك حتى نحافظ على الصورة الإيجابية التى كانت تولدت لديه فى الفندق. ولا يتم استبدالها بصورة أخرى مغايرة، أقل ما يقال عنها أنها ستكون صورة سلبية للغاية، ثم كان أن اكتشفنا أنه بخلاف الفنادق المعدودة فى المدينة، لا يوجد مطاعم حتى بمستوى متوسط ولا يوجد أماكن للترفيه أو للتنزه.

ما يدفعنى للحديث عن هذا الموضوع هو ما يتواتر عن السياحة فى مصر، والحاجة إلى تنشيطها. حقيقة أن أرقام السياحة هذا العام أفضل بكثير من العام الماضى، كما أن العودة المرتقبة للسياحة الروسية أنعشت الكثير من الأمال والتوقعات فى تعافى قطاع السياحة وقيامه بدوره المنتظر فى نمو الاقتصاد الوطنى. ولكن ما هالنى فى تجربة أسوان الملاحظات التالية:

1ــ وجود ثروة كامنة ممثلة فى مناظر طبيعية يمكن أن تحقق دخلا وعائدا أضعاف أضعاف ما يتحقق منها حاليا لو أحسنا إستغلالها وتسويقها. وقد تصورت أن الصورة التى رأيتها لسياح يسبحون فى حمام السباحة المجاور للنيل فى شهر فبراير كفيلة وحدها بجذب آلاف السياح من الدول التى تعانى من البرد القارص فى الشتاء.

2ــ ما زال الاعتماد على الجهود الفردية وبعض النقاط المضيئة كالفنادق ذات الخمس نجوم أو أكثر وذات الخدمة الممتازة ولكنها وحدها لا تكفى لأن السائح يحكم على التجربة ككل منذ لحظة وصوله إلى المطار وحتى لحظة المغادرة.

3ــ وبناء على ما سبق، أعتقد أنه يوجد غياب تام للثقافة أو الوعى السياحى، أو إدراك أن السياحة صناعة كاملة متكاملة، وليست مجرد فندق وشاطئ، ولكنها أيضا خدمات طبية ومواصلات عامة ومقاهى جميلة وغيرها وغيرها ولكن الأهم والأهم والأهم وأكررها أكثر من مرة النظافة العامة.

4ــ مشكلة النظافة فى مصر كفيلة وحدها بردع أى سائح عن تكرار زيارته لها. ولسنا بحاجة إلى التحجج ببعض تحذيرات السفر التى تصدر عن بعض الدول من أجل تفسير عدم تدفق السياحة إلينا وبالأعداد التى تتناسب مع إمكانياتنا، لأننا بذلك نكون مثل البليد الذى يتحجج بمسح التختة.

5ــ الأخطر والأهم، أننا ننسى أو نتناسى أننا نواجه منافسة شرسة من دول ومناطق أخرى كثيرة. وأنه إذا ظللنا نعتمد على صورة الأهرامات أو جذب السائح بأسعار تنافسية فيما يعرف بالسياحة الشاطئية كالغردقة وشرم الشيخ، فسنستطيع بالطبع جذب عدد لا بأس بها من السائحين. ولكن إذا نظرنا إلى سوق السياحة الدولية، فإن حصة مصر لا تقارن بما تحصل عليه دول أخرى فى المنطقة أو خارجها، أو ما هو مفترض أن تحصل عليه مصر بما تملكه من إمكانيات.

6ــ لن أقارن هنا بدولة مثل فرنسا التى زارها ٨٢،٦ مليون سائح فى عام ٢٠١٦، ولكن بدولة بها ظروف مشابهة إلى حد كبير بمصر من حيث عدد السكان ومستوى الدخل والظروف السياسية مثل تايلاند التى زارها ٣٢،٥ مليون سائح فى عام ٢٠١٦، حققوا دخلا للبلاد بلغ ٧١،٤ مليار دولار. كيف تحقق ذلك؟ عندما لاحظت الحكومة تراجع عدد السائحين إليها بعد تفجير إرهابى فى أحد المناطق السياحية، قامت بإلغاء رسوم التأشيرات ضمن إجراءات وخطوات أخرى. قارن ذلك بما حدث فى مصر فى ذات الوقت تقريبا حين قررت الحكومة مضاعفة رسوم التأشيرة السياحية، حقا تم إلغاء هذا القرار بعد ذلك ولكن بعد أن أصاب حركة السياحة الوافدة إلينا بضرر كان لا داعى له.

أعلم حجم التحدى الذى يواجه الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة السياحة الجديدة، ولعل أهم تحدى لها هو كيفية إقناع باقى مؤسسات الدولة أن ملف السياحة ليس مسئولية وزارة السياحة فقط، ولكنه ملف تشترك فيه جميع الوزارات والمؤسسات، من تعليم إلى صحة إلى نقل إلى ثقافة إلى أمن (وليس بمعنى مكافحة الإرهاب وحده). وهو ما يتطلب خطة قومية شاملة يشترك فيها الجميع، ويحضرنى فى هذا المجال تجربة فرنسا فى نهاية الستينيات حين لاحظت الحكومة إنخفاض عدد السائحين إليها مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، وبعد الدراسات اللازمة تنبهت الحكومة إلى أن من أهم أسباب ضعف السياحة كان المستوى العام للنظافة فى الشوارع، فتم وضع خطة قومية وأصبحت فرنسا فى السياحة الدولة الأولى عالميا. فهل نضع خطة قومية للسياحة تبدأ بالنظافة كأضعف الإيمان؟ وحتى نستطيع أن نجعل السائح الذى يأتى إلى أسوان يتطلع للعودة إليها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved