ماذا تعرف عن «سنوحى» المصرى؟

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 11 أغسطس 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

على صفحته الشخصية على «فيسبوك»، طرح صديقى الكاتب البارع وليد علاء الدين سؤالا استفهاميا حول صورة نشرها لغلاف كتاب قديم يحمل عنوان «سنوحى المصرى»، ثم تساءل: ماذا تعرف عن هذه الرواية؟ 
أعادنى سؤال الصديق العزيز إلى سنوات مضت، وفتح بابا للذكريات حول واحد من أمتع الكتب التى قرأتها وأمضيت معها وقتا لا أنساه.. والأهم أنه لفت نظرى إلى أهمية التنويه بهذا الكتاب المنسى ضمن عشرات بل مئات الكتب وتستحق أن يزال عنها الغبار ويعاد التذكير بها ولفت الأنظار إليها مجددا.
فى عام 1996 وضمن إصدارات مكتبة الأسرة (الموسم الثالث) فوجئت أمامى لدى بائع الجرائد بكتاب ضخم من القطع الكبير (يقع فى نحو 850 صفحة) مكتوب على غلافه «المصرى» وبتقديم د.طه حسين، قلتُ أيا كان سعره سأقتنيه، وكانت المفاجأة الأسعد، أن الكتاب بجنيه واحد فقط! اشتريته فورا وطِرتُ طيرانا إلى البيت.. وأخذت فى قراءته، ولم أنتبه أنى قضيت يومين كاملين بثلاث ليال متصلة فى قراءة الرواية المذهلة، التى نقلتنى ببراعة سردها وتفاصيلها المدهشة إلى عالم حى ورائع ومشاهد مرسومة بدقة للحياة الفرعونية القديمة بكل سحرها وغموضها، تجربة لا أنساها قط.
لم يكن هذا الكتاب سوى الترجمة العربية الكاملة للرواية الشهيرة التى كتبها الروائى الفنلندى «مايكا وَولْتارى» أو«فَلتارى» (وفق صوتيات اللغات الجرمانية)، وهى أشهر عمل أدبى استوحى الحياة المصرية القديمة، تمت ترجمته إلى معظم لغات العالم، وتحول إلى فيلم سينمائى شاهدتُه صبيا على شاشة القناة الثانية فى الثمانينيات، ولم يعرض من حينها ــ فيما أعلم ــ مرة ثانية! 
الرواية ضخمة جدا، صدرت فى طبعات قديمة، ثم أعاد المركز القومى للترجمة إصدارها قبل سنوات قليلة ضمن سلسلتها الممتازة (ميراث الترجمة)، بعنوان «المصرى دنيا سنوحى». ترجمها إلى العربية حامد القصبى، وقدم لها تقديما بديعا د.طه حسين الذى كتب عنها بأسلوبه الأخاذ: «هذا الكتاب قرأته مترجما إلى اللغة الفرنسية منذ أكثر من عامين، وقد كنتُ أكره الانصراف عن هذا الكتاب، لأنى لم أكد أمضى فى قراءته حتى شغفت به أشد الشغف، وأحببت أن أصل إلى غايته، وتمنيتُ أن تكون هذه الغاية بعيدة أشد البعد، ذلك أن الكتاب سحرنى واستأثر بنفسى، نقلنى نقلة بعيدة جدا من بيئة الحياة الواقعية التى كنت غارقا فيها، ومن بيئة الدراسة الأدبية التى كنت مقبلا عليها، إلى بيئة غريبة بالقياس إلىّ أشد الغرابة، هى هذه البيئة الشرقية التى عاش فيها «إخناتون» ومعاصروه من المصريين وغير المصريين فى ذلك العالم القديم، فالكتاب لا يصور الحياة المصرية فى عصر إخناتون فحسب، ولكنه يصور الحياة فى العالم الذى عرفه المصريون فى ذلك الوقت، فبطل الكتاب الذى يتحدث إليك حديثا مباشرا لأنه يقص عليك حياته، قد اضطر أن يكون أخا سفر، جوّاب آفاق، فهو ينتقل من مصر، ثم يتجاوز حدودها إلى فلسطين وسورية، ثم يمضى إلى بابل ثم إلى جزيرة أقرطيش أو كريت».
وبشهادة طه حسين عن الترجمة، فإن «اللغة التى نقل إليها الكتاب، ليست أقل جمالا، وروعة أداء، من التراجم الأخرى التى قرأتُ عنها الكتاب، وقد وفّق المترجم إلى أن يحسن النقل إحسانا، لا زيادة فيها لمستزيد، وكأنه سبق المترجم الأمريكى إلى نفس الكاتب الفنلندى، فعبّر عما فيها تعبيرا صادقا ودقيقا».
عرفتُ فيما بعد أن المرحوم محمد عوض محمد (من رواد الثقافة المصرية المجهولين) ترك كتابا غاية فى الجمال اسمه «سنوحى» صدر ضمن العناوين الأولى من سلسلة (اقرأ) دار المعارف، فى ديسمبر 1943. كتاب عوض ورواية فَلتارى كلاهما يستلهمان الحكاية الشعبية الفرعونية القديمة «سنوحى» ذلك الطبيب المصرى الذى عاش حياة طويلة ارتحل فيها بين أماكن عديدة وتجول فى مدن مصر وخارجها، والتقى شخصيات كثيرة وتجمع له من كل ذلك خبرة وكم وافر من الحكايات والقصص، وخلال ذلك كله تتجلى الحياة المصرية القديمة فى أروع صورها وأزهاها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved