النوم فى حضنها

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الإثنين 10 نوفمبر 2014 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

فى زمان كان ومضى قالت لنا كتب التاريخ تلك التى راحت تصف لنا تحولات مجتمعاتنا وثوراتها وانتفاضاتها على المحتل الخارجى ثم المحتل الداخلى والتسلط والقمع, إنه كان يوما هناك شريحة أو طبقة من مجتمعنا، ليس البعيد بل القريب جدا، إن هناك كانت شريحة من المجتمع تقف على رأس الهرم الاقتصادى ولكن لا يزال قلبها مدفونا بتلك الأرض، تلك التى تسمى وطنا، ربما يكون صغيرا بعض الشىء أو ممتدا يتجاوز الحدود المصطنعة..

كانت برجوازياتنا، تجارنا، اقطاعيونا..كومبرادوريينا.. سمهم ما شئت يقفون ليس بعيدا عن الآخرين من فئات شعبهم. ربما فقط يكونون على بُعد خطوة من فئات الشعب الأخرى ولكنهم يبعدون أكثر منها من السلطة والمتربصين بها.. عند أى تحرك كانوا هم الأكثر مبادرة لبناء الوطن والدولة الحديثة.. يسخون بأموالهم وأبنائهم من أجل تطوير التعليم والصحة والثقافة والحريات العامة.. قالت كتب التاريخ كثيرا انهم وقفوا فى وجه الجهل والتخلف والظلم أيضا، نعم وقاطعوا الظالمين بل حاربوهم.. كانت نساؤهم تستغنى عن مجوهراتها وما غلى ثمنه من أجل نفس تلك الأرض التى هى الوطن.

•••

أليس كان فعل ماضى كما قالوا لنا فى كتب النحو والصرف والحذف!!! بقيت تلك الفئة فى كتب التاريخ، صرنا نبحث عنها طويلا دون أى وجود.. جاء الطوفان الرأسمالى فابتلعها وأصبحت أكثر ولاء له من الارض والوطن. أما أبناؤها فهم يتقنون كل لغات الكون إلا هى، يتواصلون عبر أجهزتهم الحديثة مع العالم البعيد ولا يعرفون ما يجرى فى الحى الشعبى القريب منهم ومن قصورهم الفخمة التى تحرسها كلاب أكثر رفاهية من جيرانهم.. فهم يعرفون الفرق العالمية ويتابعون سباقات السيارات الفاخرة والخيول ويقفون كتفا بكتف مع علية القوم هناك يضربون كئوس الشمبانيا الفاخرة ويتحركون بطائرات خاصة ومراكب وعربات تحمل أرقامها اسماءهم أو صممت من قبل أكبر مصممى العالم. أما محتويات سياراتهم الداخلية فإما ان يقوم بها مصمم الأزياء العالمى إيلى صعب وإلا فلا!!!

•••

ينظرون لتلك الوجوه المتعبة مع نهاية يوم عمل شاق بشىء من الازدراء وفى صلواتهم.. نعم فهم أيضا يتقربون من الله حينا ويعتقدون انه سيحابيهم فى قطعة أرض بالجنة.. فكلما ارتكبوا خطيئة «مسحوها» ببناء مزيد من الجوامع بعضها للفقراء والمعوزين أو ربما رموا بمخلفاتهم من ملابس ومأكولات لنفس اولئك الفقراء والمعوزين.. يتعرفون على تلك الفئات «الأخرى» من المجتمع فقط للدعاء لهم بطولة العمر

وهم يتطلعون لهم وكأنهم قادمون من كوكب أخر.. لا يعرفون ماذا يعنى ان يأتى الشتاء القارس فى بعض نهاراته وتحبل السماء بغيوم داكنة ثم ترسل بأمطارها بل بسيولها فتغرق عشش أولئك وخيم الآخرين النازحين أو اللاجئين.. ويبقون هم يحتسون الشكولاتة الساخنة المستوردة من بلجيكا ويستمتعون بزخات المطر من خلال زجاج نوافذ سياراتهم أو منازلهم المخملية..

•••

ترى كيف سيكتب المؤرخون عنهم؟؟ كيف سيصفون شريحة من المجتمع، مهما كانت صغيرة، لا تعرف عن مجتمعها سوى أنه مجتمع متخلف يستحق ما يجرى له سواء من المحتل أو من قبل الطقم الحاكمة فهذه ينامون فى حضنها مسترخين.. فهى التى تسمح لهم بأن يسرقوا الاوطان بدلا عن أن يبنوها!! ففى سيرة النهب نحن نتوحد وأى آخر قادم من تلك البلدان البعيدة، ذاك المتربص بخيرات هذه الأوطان فأهلا وسهلا ومرحبا به هو الأقرب لها.. لهذه الشريحة من أى فرد آخر ممن تزدريهم..

هذه ليست تلك التى تحدثوا عنها فى تلك الكتب القديمة، هى الآن تبعد كلما اقترب منها أحد من «الرعاع» تبنى المدن الحديثة وتسورها وتحكم عليها الحراسات والكاميرات.. تسور الشواطئ لها ولها وحدها تتقاسمها هى ومن هم فى السلطة وبعض الزوار الذين يشبهونها!!!

•••

البعض يقول إن التاريخ يكتبه المنتصر.. ربما أحيانا هو كذلك ولكن المنتصر فى الماضى كان الوطن أيضا عندما وقفت هذه الشريحة التى كانت تتزعم حركات التحرر والنضال وقدمت أبناءها وبناتها ليقودوا المسيرة بعلمهم وعملهم ومعرفتهم. لم تكن تفهم عمل الخير كحسنة منهم أو ربما «مكرمة» كما هى الآن ولا وسيلة للفردوس بل كانت تؤمن بأن فى توفير فرصة العمل حرية وصيانة لكرامة أصبحت نادرة.. هى تسلقت إلى فراش السلطة حتى أصبحت جزءا من اللعبة التى تجثم على صدر الوطن وهى التى أصبح أبناؤها جزءا من حاشية «السلطان» ربما تحت مسميات عدة.. هى أعلنت موت البرجوازية الوطنية وحتى إشعار آخر!! لكم الخلد بناة الوطن ولهم نفايات التاريخ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved