11 ــ أنوار الفقه المالى ــ المال الحلال

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 10 يناير 2019 - 10:31 م بتوقيت القاهرة

(1)
الحلال والحرام حكمان شرعيان توصف بهما الأشياء أو الأفعال أو الأقوال، وهذان الحكمان لا يعقبهما حكم آخر، فما تعارف الناس عليه من أحكام أخرى مثل (اللائقة ــ غير لائقة)، (الصواب ــ الخطأ)، (الحسن ــ لقبح).. كل ذلك أحكام فطرية وعقلية يدركها الإنسان بفطرته السليمة ثم بعقله اليقظ، وأقصد بالفطرة السليمة أن يتصرف الإنسان مع الآخرين كما يحب تماما أن يتصرفوا معه، فما تكرهه لنفسك يجب ــ إنسانيا ــ أن تكرهه لغيرك، فلا تصنعه معه بل عليك أن تساعد الآخر إذا تعرض للمكروه ــ تماما كما يجب أن يساعدك الآخرون فى أزماتك. وإذا رجعنا إلى موضوعنا بخصوص المال، فينبغى بادئ ذى بدء أن يتحرى العاقل «مصدر المال»، هل هو مصدر لائق بإنسانيته أم لا؛ فهل يسعى عاقل إلى «احتكار سلعة» يشتريها بماله الحلال قاصدا أن يرفع سعرها؟ أو قاصدا حرمان الناس منها؟ أو راغبا فى تصديرها ليحقق دخلا أكبر مما يحققه لو باعها فى موطنها؟ لا شك أن النفس السليمة تأبى أن يحرمها أحد مما خلقه الله حولها بسبب جشع المنتج أو التاجر أو المصدر. فلا يتربح أحد بحرمان الناس بدعوى حريته فى جشع الكسب.
(2)
كذلك هؤلاء الذين اختبرهم الله وأقامهم فى مواقع المسئولية يقدرون أجور ومستحقات الآخرين. كان هؤلاء أمراء أو وزراء أو أصحاب مسئولية فى المراكز العليا، هؤلاء الذين يصفون عوائدهم المالية باعتبار أنهم «طبقة وحدهم» أو فئة فوق الناس فيجعل لنفسه مثل ما قدره لخمسين رجلا!!! فمهما كانت خبرات هؤلاء لا يحق لهم إلا «المساواة فى المراكز القانونية» فى المواقع المليئة وليست المشابهة. واضرب لذلك مثلا وظيفة خبير فى مؤسسة دولية قد تستحق مليون دولار شهريا، فهل إذا تولى هذا الخبير ــ نفسه ــ عملا فى حكومة أو شركة فى بلاد العالم الثالث يستحق هذا المبلغ؟!!! وإذا استخدم موقعه فى تضخيم عوائده وفوائده هل يعتبر دخله الذى يجنيه دخلا حلالا؟ لا هو حلال ولا هو لائق ولا هو صواب ولا يقترب من الحسن أبدا.. إذا لم يحسن الإنسان قياس حقه إلى حقوق بقية العاملين فتلك مهلكة شرعية نسمع بسببها أن بيوتا تفككت، وأن زيجات تمزقت، وأن أجساما أصابها من الأمراض ما يقضى على تلك الأموال التى قررها لنفسه أو ضغط على مرؤوسيه ليوافقوا عليها. فليسارع كل عاقل بتطهير نفسه قبل أن يأخذ ــ مغرورا بتلقائية ــثم يدفعها قهرا فيما يكره.
(3)
وتلك الأموال التى يحصدها البعض مقابل المنافع مثل الإيجار.. لا يحق لهم أن يسايروا أعرافا خاطئة فى تقدير العائد، فعائد الشىء المستهلك غير عائد العقار الذى تزداد قيمته كل لحظة، فما دامت ملكية العقارات ثابتة لأصحابها كيف يسرعون باسترداد قيمتها خلال أقل من عشر سنوات بدعوى العرف العالمى. إن كان ذلك صحيحا فذلك عدوان على حاجة الناس واستغلال ظروف وتربح عن غير وجهه الصحيح. ما دام العقار باقيا محتفظا بقيمته فينبغى أن يكون الإيجار معقولا خصوصا فى العقارات التى تقوم بخدمات البيع والصيانة للآخرين. أليس غريبا ومستغربا وحراما أن يدفع بائع الخضار والفاكهة بل بائع الشاى والقهوة «والسندويتش» 60 ألف جنيه شهريا؟!!!!
معنى هذا أن المستأجر لابد وأن يضع وفق تكلفة الشاى والقهوة كل يوم 2000 جنيه نظير إيجار المكان !!!؟ أليس ذلك التربح من أسباب المهلكات التى تحيط بالمتربحين.. اللهم إنا نسألك أن تهب الرشد لنا جميعا قبل أن يفوت الأوان ونقع تحت طائلة العذاب النفسى والعصيان الشرعى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved