رجل غير العالم للأسوأ

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 9 مارس 2019 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

ينتمي آدم مكاي لهؤلاء المخرجين الذين ينتقدون سياسة الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم ويحاولون فضح آثارها، أمثال مايكل مور وأوليفر ستون. وهو يقدم من خلال فيلمه الأخير "النائب" (Vice)، الذي رشح لثماني جوائز أوسكار وحصد الجولدن جلوب لأفضل ممثل ( كريستيان بيل)، سيرة ذاتية لنائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق- ديك تشيني- ويلخص رحلة صعوده على مدار أربعين عاما قضاها في عالم السياسة والأعمال، حتى صار هو من يتحكم في مصير الكون، في الفترة من 2001 إلى 2009، ضمن فترتي حكم الرئيس جورج دبليو بوش.
نتوقف مع الفيلم عند المرحلة الوسيطة بين ثورة المحافظين الجدد في عهد ريجان، حيث زادت هيمنتهم على السياسة الخارجية الأمريكية، وبين وصولنا إلى زمن ترامب بكل ما يمثله من عجائب وغرائب ومصائب. ولا يخفي المخرج حنقه على توجهات الحزب الجمهوري، كما يوضح صراحة أن ديك تشيني، المتعطش للحكم، وجد في ضعف إمكانات جورج دبليو بوش وقلة خبرته، فرصة ذهبية لفرض سيطرته وتفسير الدستور بطريقة تمنحه صلاحيات أكثر من كل أسلافه البعيدين عن أي دور تنفيذي، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر.
***
بالنسبة لنا كعرب ينكأ الفيلم جرحا قديما، لا يزال مؤلما للغاية، وهو حرب العراق في العام 2003، والتي كان ديك تشيني أحد عرابيها. ينبش من جديد هذا الجرح الذي لم نبرأ منه، والذي قلب موازين المنطقة رأسا على عقب. نرى الأمور تدار بمنتهى العبث ومنتهى الحنكة لصالح مجموعة من المنتفعين، ونضرب كفا على كف. آلاف الأبرياء ماتوا وتشردوا من أجل حفنة من الأكاذيب، والبقية تأتي... هكذا ساهمت أمريكا في نشوء داعش بعد غزو العراق، وكان لدى أبو مصعب الزرقاوي نظرية قائمة على تغذية الصراع بين السنة والشيعة في العراق وإقامة دولة الخلافة.
تشيني كان يحلم بالرئاسة لكنه لم يترشح لها، بسبب خوفه على ابنته المثلية، فلم يرغب في تعريضها لأي حرج أو هجوم، فذلك الرجل الذي قسم العالم وفقا لخرائط البترول، بالتعاون مع كبريات شركات النفط، أب حنون وزوج محب. كان لرفيقة دربه- لين- دورا مهما في دفعه للأمام وهي صاحبة العقل المدبر والطموح اللامتناهي، ولولا وجودها إلى جواره لكان استمر في شرب الجعة والعراك والكسل بولاية وايومنج.
***
يرسم المخرج والسيناريست، آدم مكاي (50 سنة)، صورة حاول أن تكون دقيقة قدر المستطاع لتشيني كما لم يعرفه الكثيرون، فلا توجد العديد من الكتابات حوله. ولكي ينجح في مهمته لجأ لبعض من عايشوه وأرسل صحفيين إلى الميدان لإجراء مقابلات خاصة وبدأ في تجميع المعلومات حول شخصية هذا البطل المضاد، التكنوقراط الذي احتل دوائر السلطة، وتحكم في كواليس البيت الأبيض، وصار ضمن أثرياء العالم، بل وأغنياء الحرب، وأحد المدافعين بضراوة عن " تقنيات الاستجوابات العنيفة أو القاسية" وعن سجن جوانتانامو.
لم يندم تشيني، 78 عاما، على ما فعل، أو هكذا أراد أن يقول من خلال مذكراته "في زمني" (In My Time) التي صدرت سنة 2011، في 565 صفحة، واشترك في كتابتها مع ابنته ليز. لخص في كتابه الأهداف الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بثلاث محاور: شن الحرب على الإرهاب، ضرب العراق لامتلاكه أسلحة دمار شامل، إدارة الأزمة الإسرائيلية- الفلسطينية. وهو ما لم تنجح فيه الإدارات المتعاقبة، وما نعيش فيه كل يوم. لذا عندما يأتي مخرج مثل آدم مكاي ويندد بالسياسة الأمنية والاستخباراتية للولايات المتحدة الأمريكية نشعر بمزيج من الألم والراحة. طريقته الساخرة في تناول القضايا الشائكة، خاصة بعد فيلمه السابق "العجز الكبير" (The big short, 2015) عن دور البورصات العالمية، ومن بينها وول ستريت، في الأزمة المالية العالمية سنة 2008، تؤكد على أننا نعيش في عالم مجنون، فلا يجب أخذه على محمل الجد، وإلا متنا بحسرتنا. وبالتالي عندما يعلن أن فيلمه القادم سيكون عن تغيرات المناخ، في قالب ساخر، نتوقع نوعية من الضحك التي تدمي وتوجع رغم كل ما قد تمثله من مرح ولعب واستفزاز فني.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved