اللغط عندما تختلط المواضيع

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 9 فبراير 2022 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

النقاش الحاد الذى جرى عبر الأرض العربية كلها حول فيلم «أصحاب... ولا أعز» والتباين الواسع المتناقض التصادمى فيما بين وجهات النظر، أظهر أن المجتمعات العربية هى بالفعل تعيش حالة الانتقال من ثقافة تاريخية مهيمنة إلى ثقافة جديدة يراد لها من قبل البعض أن تهيمن.
حسنا، لا توجد مشكلة فى هذه الظاهرة، إذ إن كل الثقافات العامة السائدة فى كل المجتمعات خضعت وتخضع للتغيير والتطوير الدائم. لكن ذلك يحتاج أولا إلى تحديد موضوع النقاش.
فلقد كانت النقاشات التى قرأناها وسمعناها تبين أن المنخرطين فيها يناقشون مواضيع شتى، وليس نفس الموضوع، البعض كان همه الأخلاق العامة، والبعض الآخر كان همه الجوانب الدينية البحتة، بينما اقتصر اهتمام البعض على الجوانب الفنية.
ولذلك كان القارئ والمستمع يشعر أحيانا بأنه كان أمام حوار الطرشان، خصوصا فى التباينات الهائلة حول موضوع الحرية، الذى هو من أكثر المواضيع الفلسفية المختلف حولها عبر تاريخ البشرية كله.
النقطة التى يجب أن ننطلق منها هى أننا أمام عمل فنى. فإذا أخذنا ما قاله الفيلسوف اليونانى أرسطو عن الفن من أن «هدفه ليس التعبير عن ظواهر الأمور وإنما عن مدلولتها الداخلية» الخفية، أو أخذنا ما قاله الكاتب جيمس بلدوين فى أن «هدف الفن هو طرح الأسئلة بصورتها العادية والتى كانت متخفية فى شكل إجابات» أو حتى أخذنا ما قاله جورج براغ من أن «الفنون هدفها الإزعاج، بينما العلوم هدفها التطمين»... إذا أخذنا مثل هذه المقولات فإننا سنجد أن الفيلم المذكور قد حقق كل ذلك.
لكن، وفى الحال، من حقنا أن نطرح سؤالا حول الصراحة الفنية التى عبرت عنها بعض مواقف الفيلم من خلال التذكير بقول لوليم بليك من أن «الحقيقة التى تقال بنية سيئة تفوق على كل الأكاذيب التى يمكن أن يخترعها الإنسان». وهنا تختلط الحقيقة بالظنون والنيات. وهنا يستطيع منتجو الفيلم التعلل بما قاله أوسكار وايلد من أنه «ليس على الفنان أن يكون من المحبوبين جماهيريا، وإنما على الجمهور أن يكون أكثر فهما لمتطلبات الفن» وهذا سيدخلنا فى الحال فى دوامة الشعارات الشهيرة من مثل هل «الفن للفن؟» أم «الفن للأخلاق والأهداف السامية؟».
ذلك أن أكثر ما اعترض عليه الكثيرون هو الغموض فى موقف الفيلم من بعض القيم الأخلاقية والدينية بشأن العلاقات الجنسية فى المجتمع العربى. وهنا نرجع إلى أوسكار وايلد مرة أخرى، فحسب فهمه للموضوع الشائك هو أن «حياة الإنسان الأخلاقية تكون جزءا من اهتمامات الفنان (والفن)، ولكن أخلاقية العمل الفنى هو فى الاستعمال الأفضل لحقل يتميز بالنواقص (فى قدرته على التعبير)».
هنا من حقنا أن نعتب على منتجى الفيلم على أنه كان من الواجب أخذ ما عبر عنه مثلا أوسكار وايلد وغيره بشأن موضوع ترابط الأخلاق بالفن. وهنا نذكرهم بما قيل عن قصة مدام بوفارى الشهيرة وهو أن «كتاب مدام بوفارى كان من أكثر الكتب التصاقا بموضوع الجنس، وكانت بطلته مهووسة بالجنس، ومع ذلك لن تجد فى الكتاب كلمة يمكن اعتبارها بذيئة أو منحطة». إذن كان من الممكن تجنب الوقوع فى فخ البذاءة مثلما فعل مؤلف كتاب مدام بوفارى.
أخيرا، دعنا نكون منصفين: لو أن نفس الفيلم عرض فى الخمسينيات أو الأربعينيات من القرن الماضى لما أثار ضجة. آنذاك لم يصل العالم فيه إلى المستوى المنحط البذىء الشاذ الذى وصلت إليه فى أيامنا التى نعيش مواضيع الحب والعلاقات الحميمة فيما بين الرجل والمرأة.
فعالمنا يعيش أسوأ أيام الفحش الذى عاشته البشرية بالنسبة للتعبير الفنى، بكل أشكاله، لعلاقات الحب الجسدى. هوليود تقود ذلك والآخرون مع الأسف يتبعون بقصد أو بدون قصد، والموضوع مرتبط بوضع حضارة إنسانية مرتبكة وفى أزمة قيمية كبرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved