الخراب الهائل فى غزة هو الاستراتيجية

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 7 مارس 2024 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

«وفقًا لإحصاءات وزارة الصحة الغزية، التى تتقبلها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى حد كبير، فإن أكثر من 30.000 غزّى قُتلوا فى الحرب حتى الآن.. أما عدد الجرحى فبلغ أكثر من 70.000 جريح. هذا هو العدد الذى تعترف به مستشفيات غزة وعياداتها.. يُضاف إليهم الذين هُجِّروا من غزة.. وبافتراض أنه يوجد فى غزة 1.8 مليون نسمة، فإن إسرائيل ضربت وأخرجت من دائرة العمل ضدها نحو 8 فى المئة من سكان القطاع. هذه النسبة هائلة.. أما من ناحية السكن، لقد قُصفت عشرات الآلاف من الشقق فى القطاع، إلى جانب تدمير هائل لشبكات الطرق، والصرف الصحى، والمياه، والكهرباء. كل تلك العناصر تؤدى إلى حالة من الانبعاثات، التى سيستغرق إصلاحها وقتًا طويلًا. كما يزداد الضغط على هؤلاء النازحين مع ازدياد جوعهم.. وبكلمات أخرى، يوجد فى قطاع غزة الآن نازحون وقتلى أكثر مما جرى فى النكبة الأصلية فى سنة 1948.. إن الجيش الإسرائيلى يقوم بتدمير القطاع بصورة منهجية».
لم ترِد الفقرة المذكورة أعلاه فى مقال كتبته [الكاتبة اليسارية] عميرة هاس فى صحيفة «هاآرتس»، بل جاءت فى منشور نشره صحفى البلاط شمعون ريكلين، حرفيا، فى منصة (X) تويتر، عشية السبت الماضى. لم يكن هدف الرجل من كتابة هذه السطور، لا قدّر الله، التعبير عن تعاطفه مع عشرات الآلاف من القتلى، والنازحين، والبشر المعرّضين للتجويع، بل كان هدفه التفاخر بهذه المعطيات، والرد على الكلام الذى يتحدث عن «التردد والمراوحة وعدم قدرة إسرائيل على الحسم فى غزة»، بحسب كلامه، أشار ريكلين، بتفاخر، إلى أن إسرائيل تمكنت حقًا من تحقيق إنجازات إعجازية فى مجال التطهير العرقى والإبادة الممنهجة لغزة.
منذ أسابيع عديدة، يحذّر كبار الساسة فى الولايات المتحدة وأوروبا إسرائيل من إلحاق الضرر بالأبرياء على نطاق واسع، ومن تفاقم الكارثة الإنسانية فى القطاع. هؤلاء لا يدركون أن التوثيق المفصل للمعاناة فى غزة يشكل قائمة إنجازات فى نظر أشخاص، مثل ريكلين، وأمثال ريكلين الذين يجلسون الآن فى سدة الحكم. نحن لا نتحدث هنا فقط عن اليمين الراديكالى: فالإيمان بـ«عدم وجود أبرياء فى غزة» والدعوة إلى الانتقام الذى لا يلوى على شىء، انتشرا فى صفوف قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلى.
يُمكن الإشارة إلى أن ريكلين، على الأقل، لم يحاول إنكار المعطيات، وأنه لا ينتمى إلى فئة الذين «يجوّعون الغزّيين ويتباكون عليهم»، أولئك الذين يشعرون بقليل من عدم الراحة، عندما يرون المشاهد المرعبة للأطفال الرضع، الذين يتضورون جوعًا فى القطاع، لكنهم يهدئون من روع أنفسهم بحجة أن أطفال غزة جلبوا تلك الويلات لأنفسهم، وبأن إسرائيل لا تتحمل أى مسئولية عما يحدث.
تفيد التقديرات بأن نحو 70 فى المئة من القتلى فى غزة هم من النساء والأطفال، لكن ريكلين لا يميز بين رضيع يبلغ من العمر شهرًا واحدًا وبين عنصر مسلح من «حماس»، فهو فخور بكل جثة من الثلاثين ألف جثة، وهو فخور أيضًا بانهيار النظام الصحى، والتعطيش والتجويع، وتدمير شبكة الصرف الصحى، والفرار الجماعى للبشر. إن تغريدته، إلى جانب كونها تعكس لنا لمحة مزعجة عن روحه المظلمة، فهى أيضًا دليل على أن الخراب الهائل والمتواصل فى غزة ليس مجرد نتيجة ثانوية لاستراتيجية ما، بل إن هذا الخراب هو نفسه الاستراتيجية.
ليس من قبيل الصدفة أن اليمين المجنون يعتبر أصعب الساعات التى تمرّ بها الدولة هى فترة نشوة وتعالٍ: «إنه لزمن مذهل»، كما وصفه [الصحفى اليمينى المؤيد لنتنياهو] يانون مجيل فى مقابلة أجراها معه [المذيع] رونى كوبان قبل نحو أسبوعين.
إن هذه اللا مبالاة بالأخلاق، وهذه الرغبة العارمة فى الانتقام، يستغلهما الأصوليون الذين يعيشون بين ظهرانينا، من أجل إنجاز هدفهم الحقيقى، الذى حدده ريكلين من دون تردد: «تطهير» قطاع غزة من سكانه، سواء بالحديد والنار، أو بسبب انعدام الخيارات، وسواء بحد السيف، أو بفعل انتشار الأوبئة.
إن ما تراه دول العالم الطبيعية كارثة مروعة، كثيرون فى إسرائيل يعتبرونه إنجازًا. وكلما تراكمت إنجازات هؤلاء، فإن المجتمع الإسرائيلى بأسره سينزلق نحو الهاوية.

هاآرتس
يوعناة جونين
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved