المقاربة الحقوقية والحركات الاجتماعية فى المغرب

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 4 فبراير 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة مبادرة الإصلاح العربى ورقة بحثية للباحث «يوسف منصف» ــ الباحث بالمركز الغربى للعلوم الاجتماعية بالدار البيضاء والمتخصص فى قضايا حقوق الإنسان والحركات الإسلاميةــ، والتى يتناول فيها الحركة الحقوقية فى المغرب والتى مرت بمراحل مختلفة منذ الاستقلال من حيث علاقتها مع القوى المجتمعية المختلفة، ويركز الباحث على ثلاث من هذه العلاقات المهمة بين حركة حقوق الإنسان من جانب وبين كل من الحركة الطلابية والنقابية من جانب آخر ثم مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

استهل الكاتب الحديث عن الحركة الحقوقية بالمغرب والتى مرت منذ الاستقلال بعدة مراحل من حيث علاقتها بالقوى المجتمعية الأخرى، حيث وجدت الحركة الحقوقية بالمغرب تعبيراتها الجنينية فى زمن الإصلاح قبل فرض الحماية الأجنبية وكذلك فى مخاض الحركة الوطنية حين انتفضت مجموعات من شباب الحضر فى وجه الاستعمار مطالبين بالتحرر والاستقلال، وبعد الاستقلال سنة 1956 تطورت حركة حقوق الإنسان بالمغرب مستأنسة بإصدار الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لسنة 1948 حتى أن مرسوم قانون الحريات العامة صدر سنة 1958 قبل صدور أول دستور مغربى بأربع سنوات.

• حقوق الإنسان والعمل الطلابى

عانى المغرب مع مطلع السبعينيات أزمات سياسية حادة، لم تكن الحركة الطلابية بمنأى عنها. وبرزت مجموعة من الحركات الطلابية الجذرية التى دخلت فى عدة إضرابات بالجامعات والمدارس الثانوية، وجرى اعتقال الكثير من صفوف الطلبة، من بينهم رئيس أوطم آنذاك محمد الخصاصى. وتدهورت العلاقة مع الحكومة سريعا فلم تمض إلا أربعة أشهر على مؤتمر أوطم الخامس عشر حتى حظر الاتحاد، وامتد هذا الحظر بضع سنوات أضعفت الاتحاد كثيرا وجعلته عرضة للانقسامات والصراعات، وأدى ذلك إلى سلسلة من الانسحابات والانشقاقات كان أولها انسحاب الطلبة التابعين للاتحاد الوطنى للقوات الشعبية ذى الميول اليسارية.

وفى علاقته بالمسألة الحقوقية، استند النضال الطلابى على التمثيل النقابى من خلال أوطم الذى دافع عن عدة حقوق طلابية أساسية مثل السكن والمنح الدراسية وبدل التنقل والإدماج الوظيفى بعد التخرج ولكن هذه المطالب النقابية كانت تحمل بين طياتها أيضا مواقف سياسية للفصائل الطلابية المختلفة المتماهية مع عدد من المنظمات السياسية المعارضة.

وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى كانت الجامعة المغربية مسرحا لحوادث يومية من المواجهة بين كل من السلطات وطلبة الفصائل المنتمية لتيارات اليسار الجذرى، القاعديين وعرفت صفوف الحركة الطلابية اعتقالات بالجملة لاسيما بعد أحداث الإضراب العام 20 يونية 1981 وما تلاه من احتقان سياسى وأمنى تزايدت معه عسكرة الجامعة وأصبح هناك مع منتصف الثمانينيات رجال أمن، والحرس الجامعى مقيمين بصفة دائمة داخل الحرم الجامعى.

مع انتقال العرش والتحول الديمقراطى المحسوب فى المغرب عرفت الجامعة المغربية تراجعا ملحوظا للحضور الأمنى والمداهمات التى كانت تقوم بها قوات الأمن وتم استبدالهم بحراس شركات أمن خاصة بقصد ضمان حد أدنى من السكينة داخل الحرم الجامعى.

• بين النقابات المهنية والنضالية الحقوقية

لا توجد أدلة على وجود خطة محددة لتأسيس تيار ديمقراطى داخل الهيئة المركزية النقابية للاتحاد المغربى للشغل، بقدر ما كان هناك تقدميون أفراد يناضلون نقابيا بالتوازى مع عملهم الحقوقى بعد أن أظهرت سنوات من الخبرة التداخل بين المجالين النقابى والحقوقى وكيف يثرى أحدهم، وكان التوجه الأصلى للتيار الديمقراطى فى اتحاد الشغل هو العمل تحت شعار كبير هو خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها. وارتكز التوجه الديمقراطى داخل الاتحاد على جملة مبادئ فى العمل النقابى ومنها وحدة العمل النقابى والتضامن والجماهيرية والديمقراطية والاستقلالية والتقدمية، وبالتوازى أسس التيار الديمقراطى العديد من مبادئ العمل الحقوقى فى إطار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنها:

الشمولية والكونية: رفض معارضة المبادئ الحقوقية بدعوى الخصوصية أو النسبية الثقافية واحترام حقوق الإنسان كاملة غير مجزأة لتشمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

الجماهيرية الديمقراطية: وتقوم على عدة مبادئ ومنها:

ــ لا احترام لحقوق الإنسان دون وجود ديمقراطية حقيقية بالبلاد
ــ تبنى منهج ديمقراطى فى التعامل مع الشركاء
ــ لا حياة ديمقراطية دون إعمال لحقوق الإنسان.

الاستقلالية: تعمل الجمعية مستقلة عن الدولة والأحزاب والمانحين الدوليين أو أى قوى ضغط وتكون مواقفها نابعة من مبادئها.

التقدمية: التموضع فى صفوف القوى التقدمية سواء محليا أو وطنيا أو دوليا على المستوى الكونى.

• المبادرة الوطنية وحراك 20 فبراير وانتعاش المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية

كان أول شعار رفعه حراك 20 فبراير فى المظاهرات الجماهيرية هو حرية، كرامة، عدالة اجتماعية. ونبعت قوة الشعار من كونه يلخص المعضلات الاجتماعية بالمغرب وعلى رأسها الاختلالات الاقتصادية التى ضربت فئات مجتمعية عديدة كانت إلى عهد قريب محسوبة على الطبقة الوسطى، بالإضافة إلى كونه يعكس أيضا جملة قضايا مرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية من قبيل الملكية البرلمانية التى يرى البعض أنها قد تضبط دور القصر فى الحياة السياسية.

وبعد أيام من تفجر حراك 20 فبراير ألقى العاهل المغربى خطابا يوم 9 مارس وبدا وكأنه يتفاعل مع حراك الشارع، وكان الملك محمد السادس فى خطابه 1999 قد تحدث عن مفهوم جديد للسلطة يعتمد على حكم القانون واستقلال السلطة القضائية والاهتمام الفعال بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.

• احتلال الشارع العام واستئناس المغاربة بالممنوع

مع هبوب رياح الربيع العربى 2011 كان المجتمع المغربى ولا سيما الفئات المهمشة منه قد وصلت لمرحلة تمثل اجتماعى واضح لقيمتين أساسيتين وهما الكرامة وربط المسئولية بالمحاسبة. ومنحت أجواء الحراك العربى المغاربة فرصة الاستئناس بالممنوع الذى تمظهر جليا فى احتلال جموع المحتجين للفضاء العام متحدين حساسية الدولة إزاء حقى التجمع والتجمهر، الذى يحيل فى الذاكرة الجماعية للمغاربة على عنف وسلطة الدولة فى عقود القمع السياسى. وتطور العمل الاحتجاجى بالمغرب بموازاة حركية اجتماعية وتحولات بنيوية طرأت على دول المنطقة العربية فى شمال إفريقيا، حيث اضطرت أنظمة سلطوية لتبنى إصلاحات متنوعة أو حتى تغييرات شكلية بكل من مصر وتونس والمغرب أو انهارت تماما مثلما حدث فى ليبيا. وكان هذا كله تطورا دراميا بالنظر إلى التمايز الواضح بين رؤية الدولة والمواطن لاستخدام الشارع العام فى الاحتجاج حيث نظرت الدولة بعين الارتياب لكل تجمهر داخل الفضاء العمومى حفظا للأمن العام الذى هو أحد أولوياتها، أما المواطن مثل الباعة الجائلين الذى نظموا احتجاجات عديدة فى المغرب فإن اعتصامهم على قارعة الطريق واحتلالهم للشارع العام بات ينظر إليه كحق مكتسب ومدخل لضمان الحق فى العيش والعمل والاحتياجات الأساسية الدنيا. وجسدت قضية محسن فكرى بائع السمك مثالا حيا لتمايز التمثلين لاستعمال الفضاء العام.

• سى دى تى حاضنة حراك الشارع المغربى

كانت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل (سى دى تى) من أبرز الداعمين لحراك الشارع المغربى واحتجاجات حراك 20 فبراير وما تلاها. وقد برز ذلك جليا بعد قمع وقفة الحركة بتاريخ 13 مارس 2011 فى جل مناطق المغرب، لا سيما بمدينة البيضاء والرباط، حينما تعرض مناضلو الحركة للاعتداء من جانب قوات التدخل السريع، وأصبح مقر سى دى تى بدرب عمر بقلب المدينة العصرية محلا للجموع العامة لفرع حركة 20 فبراير بالدار البيضاء بحضور مختلف التنسيقيات المحلية وذلك بدلا عن المقر المركزى للحزب الاشتراكى الموحد الذى احتضن تأسيس الحركة.

ويوضح الباحث أن النظام حمل هم كيفية تحييد الطبقة العاملة والحيلولة دون مشاركتها فى الحراك الشعبى بعد إلقاء العاهل المغربى الملك محمد السادس 9 مارس 2011 الشهير الذى طرح مسألة التعديل الدستورى. وأن الدور الذى لعبته الطبقة العاملة بكل من التجربتين الثوريتين التونسية والمصرية علم النظام المغربى درسا ومنحه قدرة على تفادى تقديم تنازلات أكبر. فقد تعلم النظام المغربى أن من أهم نقاط قوة الاحتجاج التونسى كان الدور الذى لعبه الاتحاد العام التونسى للشغل حيث استطاع الصف الديمقراطى فيه تشكيل مواقف إيجابية من الثورة وحراكها وفرض منطقه على البيروقراطية التى كانت موالية لبن على.

وختاما يوضح الباحث أن المغرب قد راكم تجربة حقوقية استثنائية داخل البيئة الإقليمية والعربية، ساهمت فيها منظمات حقوقية بجهود نضالية مستمرة. وعلى صعيد الحقوق السياسية والمدنية ومنذ نهاية التسعينيات أنجز المغرب تقدما نسبيا كبيرا، حيث جرم التعذيب بجميع أشكاله ورفع تحفظاته على اتفاقية مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة، وعدل المسطرة الجنائية لضمان مقومات المحاكمة العادلة. وخلقت الدولة هيئات ومجالس عليا ووزارة خاصة لحقوق الإنسان والمجلس الوطنى لحقوق الإنسان. وعرف المغرب ربيعا حقوقيا على الصعيد السياسى والمدنى مع انتقال الحكم من العاهل الراحل الحسن الثانى إلى الملك محمد السادس فى 1999 ولكن الهجمات الإرهابية فى مايو 2003 بالدار البيضاء وسياسة الحكومة فى التعامل معها أعادت قطاعا كبيرا من الحركة الحقوقية إلى المربع الأول.

وكذلك عرفت البيئة النضالية للفاعلين السياسيين بالمغرب انتكاسات ساهمت فى تراجع مسار التحديث الديموقراطى للدولة التى باتت فى مواجهات متقطعة مع احتجاجات اقتصادية واجتماعية فى شمال المغرب وجنوبه الشرقى تتمحور حول مطالب شعبية بإعادة توزيع الثروة والسلطة.

النص الأصلي: 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved