الشعب.. يريد.. حضن النظام
حسام السكرى
آخر تحديث:
السبت 1 يوليه 2017 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
يأتى هذا المقال فى ذكرى مرور أربع سنوات على بيان القوات المسلحة الصادر فى نهاية يوليو 2013، والذى كشف ربما لأول مرة عن أن «هذا الشعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه».
للوهلة الأولى قد نتصور أن البيان رصد المشكلة وقتها دون أن يقدم حلا، إلا أن من يعيد قراءته اليوم سيكتشف الحل فى عبارة أخرى لم يكن لها نفس حظ العبارة الأولى من الشهرة. إذ يقول بعد سطور قليلة إن القوات المسلحة «تجد لزاما أن يتوقف الجميع عن أى شىء بخلاف احتضان هذا الشعب الأبى».
على حد علمى لم «يتوقف الجميع عن أى شىء» ولم يبادر أحد لاحتضان الشعب. كل الشواهد تؤكد استمرار «كل شىء» كما كان من أيام مبارك وربما بوتيرة أسرع وأقوى وأكثر شراسة. استمرت العشوائية والارتجال والفساد وزاد القمع بوتيرة غير مسبوقة.
فى الأدبيات التى صدرت بعد البيان عن إدارة التوجيه المعنوى سواء فى بيانات القوات المسلحة أو خطابات الرئيس قبل الترشح وبعدها سنجد إشارات أخرى لاحتياجات الشعب العاطفية المتخيلة. ربما كان أقواها تلك التى أجاب بها المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى فى حوار تليفزيونى عن سؤال شهير ربما أعد سلفا طرحته عليه المذيعة بعذوبة ناعمة: «يعنى إيه كلمة وطن»، وجاءت إجابة المرشح آنذاك أكثر نعومة وعذوبة «وطن يعنى حضن».
هل كان المقصود وقتها أن هذا الوطن الحضن هو الذى سيحل مشكلة الشعب المتشوق إلى الأحضان؟ شخصيا أشك فى هذا الاستنتاج. فالوطن الحضن كان موجودا بالفعل عندما أقر البيان باحتياج الشعب لمن يحنو عليه. وهو ما يعنى أن الحضن لم يكن متوقعا أن يأتى من الوطن ذاته. أضف إلى هذا أن البيان كان واضحا فى تأكيده على ضرورة توقف الجميع «عن أى شىء بخلاف احتضان الشعب الأبى»، أى أن الخلاصة التى وصلنا إليها وقتها هو أن تقديم الحضن هو واجب على كل القوى الموجودة على الساحة وليس واجبا على الوطن.
ربما يدعم هذا الكلام قيام الرئيس فى شهور العسل الأولى التالية لفوزه بالانتخابات بتقديم دفعات عاطفية مكثفة للشعب كان أكثر ما عبر عنها عبارته الشهيرة «انتو مش عارفين إن انتو نور عينينا والا إيه». سرت وقتها موجة من التفاؤل بأن الشعب على وشك الحصول على الحضن المأمول. إلا أن الأمور تغيرت بشكل غير متوقع.
لا نعرف على وجه التحديد ما إذا كان المسئول عن التحول هو المؤامرة العالمية القطرية الأمريكية التركية أم أن جهات أكثر تأثيرا وأقوى نفوذا وقفت خلف ذلك. لكن المؤكد أن الخطاب السياسى تغير تماما وبشكل تدريجى. تحول من العاطفية المفرطة التى وجدت أعلى تجلياتها فى عبارة «لو اطول اجيبلكم حتة من السما هاعملها» إلى الحدة الشديدة التى تلخصها عبارة «يقولك أنا غلبان ومش قادر.. طب ما أنا كمان غلبان ومش قادر».
بعد أربع سنوات من اكتشاف حقيقة الاحتياج لمن يحنو على الشعب بالأحضان، لا يبدو أن الأمر فى سبيله للتحقق. على العكس تماما. ربما حصل الشعب بدلا من الحضن على أكثر من ركلة و«شلوت» تمثلت فى الضربات العشوائية المتتالية لقيمة مدخراته وقدرته الشرائية، والتى كان آخرها موجة غلاء أعقبت رفع أسعار الوقود عشية الثلاثين من يونيو.
لا أعتقد أن هناك نكوصا عن تلك الرغبة العارمة فى احتضان الشعب والتى عبر عنها البيان الفارق منذ سنوات أربع. المرجح أن منظومة الحكم التى نفضت يديها من أى مسئولية عن شبه دولة مصر وبدأت تدعو الناس لتسيير أمورهم، وصيانة مدارسهم، والتبرع لعلاج مرضاهم سينتهى بها الأمر أن تدعو «الشعب الأبى الذى برهن على استعداده لتحقيق المستحيل» كما قال البيان، إلى أن يحضن نفسه بنفسه.