كيرى.. المفاوض

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الأربعاء 1 أبريل 2015 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة ذا نيويوركر الأمريكية مقالا للكاتبة إيمى ديفيدسون تنتقد فيه تصريحات جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى عن موقف الولايات المتحدة من ما يحدث فى سوريا، والذى أوضح فيه خيار التفاوض مع بشار الأسد، مشيرة كذلك إلى تفاوضه «المرفوض» مع إيران حول نشاطها النووى. وتوضح إيمى فى البداية أن جون كيرى ـ الذى يعتبر كبير الدبلوماسيين الأمريكيين، كونه وزيرا للخارجية ـ تعرض إلى بعض المشكلات عندما سألته مارجريت برينان، من سى بى اس نيوز، عن حالة الجهود المبذولة لإنهاء الحرب الأهلية فى سوريا. عارضة لجزء من الحوار الذى تم بثه فى برنامج «واجه الأمة»:

كيرى: نحن نعمل جادين للغاية مع الأطراف المعنية الأخرى لمعرفة ما اذا كنا نستطيع تحقيق حل دبلوماسى. لماذا؟ لأن الجميع يتفق على أنه لا يوجد حل عسكرى. ليس هناك سوى حل سياسى. ولكن حتى ندفع نظام الأسد إلى التفاوض، سيكون علينا أن نوضح له أن هناك إصرارا من الجميع على الوصول للحل السياسى، وعلى تغيير حساباته بشأن التفاوض. وهذا ما يحدث الآن. وأنا واثق أنه بجهود حلفائنا وغيرهم، ستكون هناك ضغوط متزايدة على الأسد.

برنان: وهل ستكون مستعدا راغبا فى التفاوض معه؟

كيرى: علينا أن نتفاوض فى نهاية المطاف.

موضحة أنه سرعان ما كانت هناك تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإجابة تغييرا فى السياسة. فعلى صعيد أكثر المتشددين، جرى تصويرها على أنها تنازل بالغ، حيث قال بريتبارت: كيرى الآن على استعداد لقبول الأسد «كحاكم شرعى». وقد تجنبت الولايات المتحدة الجلوس مع الأسد شخصيا، قائلة أن عليه أن يدخل أى محادثات مدركا أن فترته فى السلطة قد انتهت. ولهذا، بدا للبعض أن عدم تراجع كيرى عندما قالت له برينان «معه» كان ذا مغزى.

وتشير ديفيدسون إلى ما ذكرته المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جينيفر بساكى فى اليوم التالى، بأن ذلك كان مجرد زلة لسان، «ما كان يعنيه الوزير كيرى، ليس أن ذلك سيكون مع الأسد نفسه... فقد استخدم 'الأسد' كنوع من الاختزال، من الواضح، أنه كان يقصد ممثل النظام». وبعبارة أخرى، «الأسد» تعنى «الحكومة السورية». وهناك منطق فى ذلك. فقد كشفت الردود على تصريحات كيرى، عن أنه ليس هناك فقط ترددا حول من يجلس على الطاولة ولكن ازدراء للدبلوماسية فى أى شكل تقريبا. فماذا تعنى عبارة «التفاوض فى النهاية» ــ أو حتى كلمة «النهاية» – فيما يتعلق بسوريا؟ لقد بدأت الحرب قبل أربع سنوات؛ ولقى أكثر من مائتى ألف شخص حتفهم، وأجبر الملايين على النزوح من منازلهم. وصار الآن العديد من الأطفال الذين يولدون لنساء غادرن البلاد كلاجئين عديمى الجنسية. وتضم الجماعات المسلحة على الارض ومن بينها الدولة الإسلامية فى العراق والشام، إحدى الشركات التابعة لتنظيم القاعدة، وغيرها، متمردين معتدلين أحيانا. وتعارض هذه الجماعات الحكومة، كما تعارض بعضها البعض.

•••

وتبين ديفيدسون أنه إذا كان هناك من يستحق معظم اللوم عن هذا المشهد المدمر، فهو بشار الأسد. فقد صعد من أعمال العنف، وتشبث بالسلطة، وقصف المدنيين عمدا. وقالت إدارة أوباما مرارا وتكرارا أنها لا ترى مستقبلا له. وفى مقطع من المقابلة لم تبثه قناة سى بى اس (وزعت وزارة الخارجية نصه)، قال كيرى إن شرط أى محادثات أن يكون الأسد «مستعدا لاجراء مفاوضات جادة حول تنفيذ جنيف I«، فى إشارة إلى مؤتمر عام 2012، الذى دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية. ولا يعنى التفاوض بالضرورة إيجاد طريقة للتعايش مع وجود الأسد فى السلطة. فمن الممكن أن يعنى سؤال ممثليه عن الموعد والوجهة اللذين يفضلهما لرحلته إلى المنفى، أو عن المحامى الذى سيمثله فى محاكمة جرائم الحرب فى لاهاى. وكما تبدو الأمور الآن، وإذا كانت الحرب ستنتهى بشىء آخر غير أن يتم سحب الأسد من سيارة وقتله، فسوف تتضمن كلمات. ويكفى أن ينظر إلى ليبيا ليدرك أن موت دكتاتور لا يضمن، نتيجة سلمية مستقرة. حتى لو ظهر فريق من القوات الخاصة الأمريكية فى دمشق وقبض عليه، سيظل ذلك بداية لمباحثات مع شخص فى العاصمة.

ولم تكن ردود الفعل داخلية فقط فعلى المستوى الخارجى، استشهد وزير الخارجية التركى، ردا على تصريحات كيرى، بعدد القتلى فى الحرب، وتساءل: «ما الذى يمكن التفاوض مع الأسد عليه؟». وأشارت المراسلة فى مؤتمر بساكى إلى أن عدة جماعات معارضة سورية كانت غير راضية عن تصريحات كيرى، وعندما سئلت عما إذا كانت تعتقد أن تلك الجماعات من الحمق بحيث تظن أنه لا يمكن أن يكون هناك حوار مع الأسد؛ أجابت، مرة أخرى، بأنه لم يكن هناك أى تغيير فى السياسة. وترى ديفيدسون أن القلق الكامن وراء رد الفعل على كلام كيرى يرجع جانب منه إلى الخوف من أن تكون أمريكا قد نسيت سبب أهمية الصراع فى سوريا ـ وقبل كل شيء، السبب فى أهميته للشعب السورى. هناك غضب حقيقى إزاء فكرة أننا قد نتخلى عنهم، ونحتوى الأسد للحصول على مساعدته ضد داعش، أو للحصول على مساعدة الإيرانيين، الداعمين له، فى تلك المعركة، أو لتقديم تنازلات فى مجالات أخرى.

وقد طلبت إدارة أوباما من الكونجرس الإذن باستخدام القوة العسكرية، بما فى ذلك ربما القوات البرية، فى سوريا، ولكن هذا من شأنه أن يكون موجها ضد داعش، وليس الأسد. وتعتقد ديفيدسون أنه عندما تُعطَى مساعدات للمتمردين، فقد يكون من الصعب معرفة من الذى يحصل عليها. فى إشارة منها إلى ما نشرته التايمز حول قصتين عن أموال أمريكية تم توزيعها فى أفغانستان، فى الحالة الأولى، وصلت أموال السى آى إيه إلى أيدى تنظيم القاعدة، بطريقة ملفتة لدرجة أن أسامة بن لادن خشى أن تكون أوراق النقد قد وضعت عليها علامات شفافة؛ وفى الحالة الثانية، قدم الجيش الأمريكى المال والسلاح لإنشاء ميليشيا محلية ترهب القرويين وهو ما يحدث الآن. وتعرض ديفيدسون ما رد فعل الأسد فى حديث بثه التليفزيون السورى، على تصريحات كيرى قائلا: «علينا أن ننتظر الإجراءات ومن ثم نقرر».؛ وعلى الرغم من أن كيرى ذكر كلمة «الضغط» أكثر من مرة فى مقابلته مع سى بى اس، فمن الصعب معرفة ما يتوقعه كل من الرجلين.

•••

وبطبيعة الحال، تؤكد ديفيدسون أن هناك الكثير من الأمور التى لا ينبغى أبدا أن تكون محلا للتفاوض. ولكن «التفاوض» كلمة تحوطها الشكوك فى بعض الدوائر، لأن الحديث فى حد ذاته هو ينظر إليه على أنه استسلام، حتى لو كان ذلك أفضل وسيلة لضمان استسلام ديكتاتور، بأقل الخسائر البشرية. ويمكن أن تكون هناك تكلفة أخلاقية فى السماح باستمرار حرب من أجل تحقيق انتصار للرأى. وكان كيرى يتحدث إلى برينان وهو فى طريقه إلى مونترو لاستئناف المحادثات النووية مع الإيرانيين. وهذا النوع من العمل الدبلوماسى، هو الذى قد يجعل العالم أكثر أمنا، ولكنه دفع أيضا أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين إلى إرسال خطاب آخر إلى القيادة الإيرانية، فحواه أنه لن يكون هناك من يستمع إليهم. وكانت هناك اعتراضات من المعلقين، الذين لا يرون سببا لأن يتحدث أى شخص إلى أحد آيات الله على الإطلاق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved